جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
اصناف
لا قمة لا أيكة إلا على
شجراتها غنى وطار هزاري
ولئن شملت ولاية شوقي الشرق كله حين قال: «كان شعري الغناء في فرح الشرق» ... إلخ، فشبلي أراد أن يحصر إمارته في هذا الجبل مع مراعاة العلاقات الطيبة وحسن الجوار، لم يشأ أن تتسع رقعة ملكه، فما خسر ولا ضعف قريضه؛ لأنه ما تكلف ولا طمع، والطمع قلما نفع.
والآن فلنقل كلمة عامة في شعر أستاذنا الجليل: في شاعرنا كثير من ملامح البحتري، فهو مثله لا يفصل الكلام على قد المعنى، بل يدع معانيه تخرج من نظامه؛ بحتري في ألفاظه السهلة المنتقاة، بحتري في تقطيع أبياته أجزاء متساوية، فكأن كل قافية من قوافيه «قرار» العواد، حين ينطح برأسه اللاشيء وتجهز ريشته على النغم، فتصعد روحه وتتعالى الآهات.
في شعر شبلي سرعة النهر المنحدر، أما على المنبر فهو مكر مفر، ينصب وينقض كجلمود صخره حطه السيل من عل، لا يترك لك شبلي مجالا متى أنشد، فأنت مسير لا مخير، تجرفك «حامولة» النهر فقد تصفق للاشيء، ومع ذلك تصفق بشدة تشبه الهوس.
وإذا عدت إلى ذلك الشعر الذي أرقصك وأسكرك إنشاد قائله، شككت في بعضه، وعجبت لضعيف شعر شبلي الذي يغلب قوي غيره في الميدان، إن هذا هو الذي يدلك على أن الشعر موسيقى، ويجلو لك سر قول العرب: أنشد فلان قصيدة.
وشعر شبلي قليل الظلال كثير الأنوار، ترتاح العين حين تقع على صوره، ولكنها قلما تكتشف فيه شيئا فيما بعد، وهذا ما يجعل صوره على قلتها باهتة، فإذا أردت مثلا للشعر المطبوع في هذا الزمان، فاقرأ شعر شبلي. ليس شبلي من الشعراء المحككين المتصنعين، فبنات أفكاره لا يعرفن البودرة والحمرة والمانيكير، هن أشبه بظباء فلاة المتنبي، أما خاصته المثلى فهي تلك السهولة النادرة الوجود، ولكني لا أحمدها كثيرا متى جمعت كل موزون.
إن هذه السهولة محمودة جدا في شعره القصصي، فهو لو فكر في نظم ملحمة لما سبقه شاعر من الناطقين بالضاد. إنه ومعروف الرصافي خير من قص، فشبلي هين لين، ضرب برأسه ورفس برجليه عمود الشعر منذ خمسين عاما، أما الرصافي فشديد الأسر وما تنكب عن طريق السلف المعبدة.
إن عبد الله البستاني معلم شكيب أرسلان والملاط ووديع عقل وأمين تقي الدين وغيرهم من شعراء الطراز الأول - المخضرمين - كان أول من نقد الحبة أمام تلاميذه، وعلمهم ذلك كما تعلم الدجاجة فراخها. نظم المعلم عبد الله حكاية شعرية عنوانها «الفرصاد» ومطلعها:
وذات صيانة عقدت يمينا
نامعلوم صفحہ