جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
اصناف
الأدباء من المواطنين، ولهم على الدولة ما يطالب به كل مواطن منكوب بزلزال، ولهم أسوة بمن ذهبت الثلوج والعواصف بموزه وليمونه.
الأدباء دعاة الأمة ولهم على الدولة ما له عليها كل رجل من رجالها، فأناشد الله من يعنيهم الأمر أن لا يتركوا الأديب حتى يموت ليتبرعوا بتجهيزه.
إن يوما هانئا على وجه الأرض لخير من كل ما يعمل له وهو في بطنها، إذا ذهبت النفس فلا أسف على الجيفة.
وأنتم أيها المحتفون بذكرى عمر، هلموا بنا نعمل أثرا يحيي ذكرى عمر في غير هذه القاعة أيضا، أخرجوا «الأديب إلى السوق» فينعم بمشاهدة أبطاله، لقد كثرت ضيوف المكتبة الوطنية، وإنني لأخاف أن تضيق صدورهم يوما فتعلو صيحتهم، ويتكلم كل منهم على هواه، فما يفهم الحداث إلا التراجم، فهبوا بنا نخرج الخالدين إلى الهواء الطلق.
رحم الله من سمع ووعى، والسلام عليكم. (4) المونسينيور فغالي
في مدرسة أكثر من متواضعة نشأ المونسينيور ميخائيل الفغالي؛ حيث نشأ قبله أخوه المطران بطرس، تلك المدرسة الصغيرة الجاثمة على كتف جسر المدفون، في مزرعة اسمها كفر شخي كانت ملعب صبانا، كان نخلة يوسف - أي المونسينيور فغالي - أكبر مني قليلا، فكنا صديقين صغيرين، وعشنا كذلك كبيرين، والرأي مختلف.
لا تبارح مخيلتي صورة صديريته الديما - من حياكة فغال - ذات صفين من الأزرار الزجاجية الرخيصة، ولست أنسى شراويلنا البيض المصنوعة من المقصور ، وكانت بذلة الأحد والعيد غنبازا من الجوخ الرصاصي شتاء، ومن الحرير المحاك في بيت شباب أو الستي كروزا صيفا، أما اللباس الفرنجي فلم يكن له أثر.
كان يرعانا ويعلمنا كاهن جليل اسمه الخوري مارون شكور، وهو ابن كفر عبيدا ضيعة نخلة يوسف، كان معلمنا رحمه الله عارفا بأصول العربية معرفة دقيقة، وبارعا في «الليشيات» أي لماذا رفعوا اسم كان، ونصبوا اسم إن مثلا، فكان يحملنا من تلك الأثقال ما استطاع لا ما نستطيع.
وكان نخلة يوسف في الصف الأعلى، فكنت أستفتيه فيما يشكل علي من مسائل، وما يفوتني من «درر» الليشيات، وكان صديقي كريم الأخلاق لا يستثقل أن يجيب على أسئلة طالب في الثالثة عشرة، لم أكن في ذلك العهد أحسن درس الأخلاق ومع ذلك كنت أعجب بهدوء نخلة يوسف ورزانته، وأحاول أن أترصن مثله ولا أقدر.
كانت ابتسامته حائرة ولكنها صافية خالية من كل معنى إلا معنى المحبة، وكان قدوتنا في اجتهاده، فلا يخلو من كتاب، إن لم يكن في يده، فهو تحت إبطه أو في جيبه.
نامعلوم صفحہ