جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
اصناف
فأجاب، ما كنت يوما في حياتي كما تروم أنت، أحس أنني أتحسن، ولا أدري إذا كنت أبلغ المرتبة التي أجلس فيها أمام قدح من عرقك المثلث، وخمرتك الدهرية.
فقلت: الله كريم.
ونظرت إليه فخلتني أرى ملامح رجل من وراء برقع، وأنني أمام شبح يمثل عمر، وقرأت أن أحدهم حمل إلى عمر وسام الاستحقاق اللبناني فقلت: ولم هذه العجلة؟ خامرني ريب فيها فسألت أصحابنا فقالوا: لا، ولكنني رجعت إلى نفسي وقلت: إنه فأل غير مليح.
وعدت من «فرصة الربيع» ومعي لأخي عمر شيء من تلك التي شبه بها سليمان حب الشولمية في نشيد إنشاده، وما وضعت الأثقال لأفعل كما قال الأخطل عن قطار فلسطين، حتى حمل إلي الأثير صوت الأستاذ رئيف خوري يؤبن صديقنا عمر، فضربت المكتب بجمع يدي وهجم الدمع إلى الخدود، ولكنه لم يتجاوزها، كعادته في المصائب الجلى.
إن حصة عمر محفوظة وستبقى مختومة على «السدة»، ولا ترى النور إلا حين نشربها في عين كفاع مع إخوان عمر وأصدقائه، صانعين هذا لذكر كاتب عظيم مات.
سنصنع هذا الذكر ركن من أركان هذه النهضة، لذكر موظف عاش نظيف اليد والجيب، ما مد يده قط، ولا اشتهى مقتنى غيره، عاش لا يفصل بينه وبين الناس ذاك التعنقص الذي يتنكر به بعض الأدباء والمتأدبين لأصحابهم متى وظفوا.
كان لا طائفيا، ولكنه لم يتشدق يوما بذم الطائفية كأصحابنا الأشد تعصبا من الكهان، ثم يتفانون غيرة على الأوطان، كان عمر لا يصيح ولا يماحك ولا يداهن ولا يصانع، فظل حيث هو لأنه لا يحسن المداجاة والمصانعة والمداهنة؛ لأنه أبي ثابت يزدري المنافقين والزنادقة الذين يكرون مع كل خيل مغيرة.
ترك ما ترك من موارد رزق تعصبا لبلاده وانتصارا لها، ولم يشعر أحد بما صنع، ولو فعل ذلك غيره لأقام الدنيا وأقعدها.
عاف موارد رزقه وعاش مكثورا عليه ليتضامن مع بلاده، فعل كل ذلك صامتا؛ لأنه ليس من الذين يجعلون من الحبة قبة ومن القبة جبة؛ لأنه من غير الذين يجمزون كالقبابيط في حقل المراتب، ويدعسون على جثث أصدقائهم ليرتقوا درجة ويكسبوا ليرة ورقا.
إن هذا الاستطراد يجرني إلى الكلام عن شخصيته، لم يكن عمر حسودا ولا حقودا، كان على ما فيه من شمم وإباء لا يزهى ولا يتكبر، كان محبا وإذا أبغض أعرض وازدرى، وخرج بالصمت عن لا ونعم كصاحبه بشار.
نامعلوم صفحہ