نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ

فهمی سعید الشیخو d. 1450 AH
84

نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

اصناف

مدينة وان - تركيا 1905م

عند سور القلعة على التلة المرتفعة المطلة على مدينة وان كان أرتين يجلس مع دافيت يتأملان المدينة والبحيرة الزرقاء خلفها، توثقت صداقتهما بعد سكن دافيت في الحي الأرمني، كان شابا مثقفا وقارئا شغوفا، يحدث أرتين عن التاريخ والدين وقصص عن حياة الأرمن وتقاليدهم في الماضي. - أتعلم يا أرتين، هذه القلعة التي خلفنا بنيت قبل ثلاثة آلاف سنة في عهد الملك الأرمني ساردوري الأول، كان ملكا عظيما حكمت مملكته أورارتو «المأخوذة من اسم جبل أرارات» هذه المنطقة لأكثر من قرنين، وكانت تسمى هذه القلعة باسم «توشبا» أيضا، وذلك البناء الذي يبدو جزء منه خلف السور كان معبد «أنالي قز»، وهنالك قبور صخرية لكل من آرغيشتي الأول، والملك منوا، وساردوري الثاني داخلها. - هذا يعني أننا نملك حقا تاريخا هنا؟ - لا أحد يعترف بالحقوق التاريخية يا أرتين، القوة والغلبة هما ما تحددان الحقوق في كل الأزمنة، دعني أخبرك حقيقة توصلت إليها من قراءة التاريخ: إذا أردت أن تعرف أصحاب الأرض الحقيقيين في أية مملكة كانت، فابحث عن الأقلية فيها، وهذه بلاد الرافدين أقرب مثال لنا، كانت من أعرق الحضارات التاريخية على وجه الأرض، والآن تجد مثلا الآشوريين والسومريين أقلية فيها! - إنك محق.

ثم ساد صمت بينهما، أدار دافيت وجهه نحو بحيرة وان يتأملها وأرتين يسترق النظر إليه بأطراف عينيه. - وكأنك تحمل هما كبيرا لا يسعه حتى تلك البحيرة الزرقاء؟

ارتسمت في وجه دافيت ابتسامة صفراء، أومأ برأسه دون أن يلتفت إلى أرتين .. ثم سأله: أرتين، ألا تفكر بالزواج؟

أصدر أرتين قهقهة وهو يقول: أنا متزوج منذ سنوات. - لم تخبرني بذلك؟! - لقد تزوجت الثورة. - دعك من هذا وقل لي لماذا؟ - لا أدري، لربما لن تصدقني إن قلت لك لم أفكر بالزواج، ومن ثم إن مصيرنا مجهول ونحن على حافة الموت مذ دخلنا هذا المعترك، لا أريد توريط فتاة معي، ما ذنبها أن تترمل على صغر؟! - لكن بانوس كان معك منذ البداية وقد تزوج وأنجب فتاة كأنها القمر ليلة البدر. - أنوشكا، بالفعل هي كذلك، لكن بانوس كان يحب زوجته قبل أن ينضم للثورة، وأنا أدرك تماما ما الذي يقاسيه من الشوق واللهفة والحنين إليها في كل مهمة نتأخر فيها أشهرا عدة ولا نعلم أنعود منها أحياء أم لا، مجنون من يتزوج من هو في مثل حالتي. - لا أدري ما أقول، لكن أتمنى أن يذكر أحفادنا ما نذرت لأجلهم به. - لا يهمني ذلك بقدر أن نصل إلى الغاية، وألا نفرط بالدماء التي أسيلت من أجل قضيتنا العادلة.

دعك مني وأخبرني عنك. - أنا؟!

هز رأسه أرتين. - نعم، أنت، من غيرنا في هذا المكان؟ - فاتان!

التفت أرتين يمنة ويسرة ولم ير أحدا. - من هذه؟ - إنها معي دائما، مذ رأيتها أول قدومنا إلى وان، لم أعد وحدي، لقد فقدت وحدتي، فهي تشاركني في كل شيء دون أن تكون معي! - ما بك يا دافيت؟ هذا كلام المجانين. - ومن قال لك لست كذلك؟! - المجنون لا يرى الجنون في نفسه.

أخرج قهقهة وربت على كتف أرتين. - يا لك من نبه!

سكت هنيهة، ثم نظر نحو وان وكأنه ينظر إلى فاتان ويتكلم. - بعد قدومنا إلى وان والسكن في الحي الأرمني، كانت مهمتي كتابة المقالات عن أوضاع الأرمن في وان، إضافة إلى كوني المساعد الأول لمانوكيان، أكملت يومها كتابة المقالة ووضعتها في ظرف خاص ثم توجهت إلى الإرسالية الأمريكية لأسلمها هناك ويتم نشرها في الصحف الأمريكية باسم وهمي، كانت فاتان تعمل في الإرسالية، وهي من تستلم التقارير والمقالات، عندما دخلت غرفتها كانت تقرأ تقريرا واضعة يدها على كفها وكأنها في عالم آخر، وصلت مكتبها ولم تشعر، تنحنحت لتنتبه، ثم فجأة رفعت رأسها فوقعت عيني بعينها وكأن سهما غرز في أعمق نقطة في قلبي، تجمدت العروق على جبيني، احمر وجهي وارتبكت حتى إنني نسيت سبب قدومي للإرسالية، ابتسمت هي فازداد الارتباك أكثر، كان قلبي ينبض بسرعة ويخفق بين نبضة وأخرى حتى قالت بلطف شديد: هل أستطيع أن أخدمك بشيء يا سيدي؟

نامعلوم صفحہ