نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ

فهمی سعید الشیخو d. 1450 AH
64

نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

اصناف

في الطلقات الأولى أصاب أرتين أحد الفرسان الأماميين فسقط من على جواده، وبدأ تبادل الإطلاقات النارية، فتوجه جزء من المشاة إلى العربة لحماية «زكي باشا»، واشتبك الباقون مع المهاجمين، كان الحرس يسقطون قتلى تباعا لكنهم يستبسلون بالدفاع عن زكي باشا حتى بعد إصابتهم، يقفزون بأجسادهم إليه لكيلا يصيبه أذى وهم على وشك الموت! ثم كانت المفاجأة، صاح ديكران: احذروا هنالك هجوم من الخلف!

ارتبك المقاتلون، أدار وجهه أرتين، وإذ بجنود يلبسون نفس زي حرس زكي باشا يطلقون النار من الخلف، سقط القناص من أعلى المنحدر، كانوا يعلمون بخطورة المكان، فتم إرسال جزء من حماية الموكب خلف الوادي تحسبا لتعرضهم إلى كمين محتمل، حينها تحول حالهم من أصحاب الكمين والمسيطرين على المكان إلى فرائس كمين آخر، لكن كثرة عددهم وتمركزهم الجيد خلف الأحجار الكبيرة ووجود الأخاديد ساعدتهم في الاختباء.

تحول القتال نحو الوراء، ولم يكن بمقدور حماة الباشا المهاجمة؛ لأن الكثير منهم قتلوا في بداية الهجوم. كان ديكران قرب أرتين حين أتت طلقة برأسه فأردته قتيلا على الفور، صرخ أرتين بأعلى صوته ديكرااااان! ثم وضع رأسه المخضب بالدماء في حضنه وتكور عليه، كان الدم يتدفق من رأسه وكأنه نبع ماء لا ينضب، صرخ أرتين: ديكران أرجوك لا تمت، ديكرااان!

ضمه أرتين إلى حضنه والدموع تذرف من عينيه دون إرادة، مر على مخيلته اللقاء الأول بينهما يوم أردفه على الحصان بعد عملية الاغتيال الفاشلة لبحري باشا، تذكر ابتسامته، مواقفه، إقدامه، شجاعته في ثورة وان، إخلاصه للثورة حتى وهب أغلى ما يملك لأجلها، أقسم أرتين أن ينتقم له، قبل جبينه وأغلق عينيه بمسحة من كفه ثم وضعه متكئا على الصخرة وحمل بارودته وهو يصيح بأعلى صوته وكأنه يزأر كالأسد المجروح ويدب الحماسة في قلوب المقاتلين، إلى أن أمرهم فارتان بالانسحاب ولم تلحق بهم الفرسان الحميدية؛ لأن غايتهم كانت حماية الباشا.

كان تأثير فشل العملية وخسارة ديكران والمقاتلين معه شديدا في أنفسهم فأغاروا على قرية كردية في طريقهم ثأرا للقتلى، كانت القرية مشابهة تماما لقرية أرتين اشتبكوا مع درك المخفر، حتى ألقوا أسلحتهم واستسلموا، فتم اقتيادهم مع بعض رجال القرية إلى الساحة، كانوا يرتجفون من الخوف ويبكون كالنساء. - أرجوكم لا تقتلونا، لدينا أطفال ونساء. - هيا، هيا تحركوا.

تم رصهم وسط الساحة، جهز المقاتلون بنادقهم، ركعوا الدرك مع رجال القرية على ركبهم ووجوههم نحو البعيد، صوب ثلاثة من المقاتلين فوهة بواريدهم إليهم، رفع القائد فارتان يده، ثم أنزلها مشيرا بتنفيذ الإعدام، فانهالت الطلقات على أجسادهم، فبدءوا يتساقطون كأوراق الشجر الصفراء في يوم خريفي عاصف.

كان أرتين في تلك اللحظة يعيش صراعا نفسيا مريرا في داخله، فكل ما في تلك القرية يذكره بقريته وبالعصابات الذين تسببوا في انضمامه للثوار جراء الظلم الذي كان يلحق بهم، وها هو يفعل ما كانت تفعله تلك العصابات فيلين قلبه ويشعر بالذنب تجاه هؤلاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل بالذي حصل، لكنه يعود ويتذكر لحظة سقوط ديكران جثة هامدة بقربه وتدفق الدم من رأسه، ودموع والده المختار وانكساره في ذلك اليوم، فيقسو قلبه ويدفعهم بشدة إلى الموت.

كان أرتين قد صد وجهه عنهم أثناء التنفيذ وهو يصلي للرب بأن يغفر لهم ما فعلوه؛ ففي كل مرة يتم محاسبة الأشخاص الذين لا علاقة لهم بما حصل، لا يمكن السيطرة على روح الثأر عند المقاتلين بعد خسارة أصدقائهم في الاشتباكات، فيتحول كل من في الطرف الآخر إلى عدو يجب قتله، وهكذا بالنسبة للفرسان الحميدية في قتل الأرمن الأبرياء.

رفع الصليب إلى جبهته وأغمض عينيه، ثم بدأ يناجي الرب أن يغفر لهم عن كل دم بريء سفكوه أو شاركوا بسفكه دون حق: «أيها السيد الرب يسوع المسيح، الابن الوحيد وكلمة الله الأب، الذي غفر كل خطايانا، بآلامه المخلصة المحيية، الذي نفخ في وجه تلاميذه القديسين ورسله الأطهار قائلا: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن منعتم عنه الغفران، يمنع عنه. نسألك يا محب البشر، من أجلي أنا الخاطئ، ومن أجل إخوتي وأخواتي، نحن المنحنين أمام مجدك القدوس، ارحمنا واغفر خطايانا، التي ارتكبناها، بالفكر، والقول، والفعل، والإهمال. اغفرها لنا، بالسلطان الذي أعطيته لكنيستك المقدسة، الرسل الأطهار. باسم الثالوث القدوس، الأب والابن والروح القدس، الإله الواحد. آمين.»

الفصل العشرون

نامعلوم صفحہ