نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
اصناف
توجه أرتين صوب مكان تجمع الناس ليلقي نظرة على موكب الوالي كما يفعل الحاضرون؛ فعلى الرغم من ذهابه مع أبيه المختار تلمكيان لزيارة الوالي عدة مرات، لكن لم يكن يسمح له بمقابلته، فكان لديه فضول كبير لرؤية هذا الشخص الذي يبجله ويحترمه المختار كثيرا.
كان الجنود يحيطون بموكب الوالي؛ أربعة جنود من المشاة على طرفي العربة التي تقل الوالي، وفارسان على صهوة جواديهما أمام العربة، واثنان آخران خلفها .. كان الوالي «بحري باشا» ذو اللحية البيضاء والشارب الطويل المعقوف النهايتين جالسا على مقعده في منتصف العربة، وقد لبس رداء أسود مزخرفا بخيوط ذهبية، وعلى رأسه «طربوش» أسود مزخرف أيضا، وقد وضع يده اليمنى على اليسرى متكئا على عكازه.
وأثناء مرور العربة من أمام أرتين كان الوالي يطلق ابتسامات صغيرة للناس ويشير إليهم بيده وهم يهتفون باسمه وباسم السلطان، لكن فجأة سمع صوت طلقة نارية ثم أعقبها صوت آخر، وآخر، فردت حماية الوالي على المهاجمين، وتطايرت الطلقات من كل مكان. أخفض الجميع رءوسهم وهربوا باتجاهات مختلفة، حاول أرتين الهرب نحو الزقاق الذي يوصله إلى الخان من الباب الخلفي، لكنه انتبه إلى سطح أحد الدكاكين فرأى شخصا ملثما بكوفية يحمل مسدسا، أطلق رصاصة ثم اختفى. شعر أرتين أن تلك فرصته الأخيرة للوصول إلى الثوار، لحق به إلى الزقاق الخلفي للدكاكين، فرأى الملثم نفسه يريد ركوب حصانه. أسرع أرتين خطاه وقفز خلفه فوق الحصان: انطلق، أنا معكم في العملية.
فانطلق كالبرق بين الأزقة والأفرع الضيقة التي بدا أنه يعرفها جيدا حتى وصلا خارج المدينة، فسأله أرتين: هل تمت العملية بنجاح؟ - لقد رأيت الوالي يسقط من العربة، أظن أن أحدنا قد أصابه. - لكن ما الفائدة من قتل الوالي؟ - إنها أوامر القيادة ، لا أعرف السبب، علي تنفيذ المهمة فقط.
ثم فجأة أوقف الحصان وقفز إلى الأرض، وأوقع أرتين من على الحصان وانقض عليه. - كيف تقول لي أنا معكم في العملية وأنت لا تعلم أنها أوامر القيادة؟ هيا تكلم، من أنت؟! - فك خناقي .. دعني أوضح لك.
أنا أرمني مؤيد لكم وأريد الانضمام إليكم، تركت قريتنا منذ شهر وأتيت إلى «وان» من أجل ذلك، لكنني لا أعرف أحدا يدلني إليكم، صدقني أرجوك!
حاول أرتين كسب ثقته، فتكلم معه بالأرمنية، وأقسم بالرب أنه صادق فيما يدعي. - حسنا سآخذك إلى القائد لينظر في أمرك، لا وقت لدينا للنقاش، هيا ننطلق.
مضيا كالبرق باتجاه الشرق حتى بلغا مشارف بلدة «أرجاك»، فنزع اللثام عن وجهه وخفف من سرعة الحصان إلى أن وصلا أحد البيوت التي تقع على أطراف البلدة. خرج مجموعة من الشبان أمامه وهم متشوقون لسماع الأخبار المفرحة. - هل نجحت المهمة؟ - رأيت الوالي يسقط من عربته أرضا، لقد أصيب بطلقة نارية، لكنني لست متأكدا من مقتله.
استبشر الجميع بأنه قتل، وبدا على وجوههم الفرح. - وأين البقية الذين كانوا معك، ومن هذا الغريب؟ - لا أدري أين هم، أنتم تعرفون منهجنا في مثل هذه العمليات نهاجم بمفردنا ونهرب بمفردنا، لكن هدف الجميع واحد، أما هذا الأرمني فخذوه إلى غرفة الضيافة وأنا سأخبركم بأمره بعد ذلك، دعوني أقابل القائد.
أخذه اثنان منهم إلى غرفة صغيرة خلف الدار لا تبدو أنها غرفة ضيافة، غرفة مظلمة فيها فانوس صغير معلق خلف الباب والكثير من الحطب المقطع والمكدس فوق بعضه البعض في الزاوية البعيدة، وضعاه فيها وأغلقا الباب عليه، استغرب أرتين من تصرفاتهم الغريبة معه، شعر بالفرح المشوب بالخوف، فرح الوصول إليهم أخيرا والخوف من عدم تصديقهم له.
نامعلوم صفحہ