نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ

فهمی سعید الشیخو d. 1450 AH
117

نسل کشی: زمین، نسل، اور تاریخ

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

اصناف

الفصل السادس والأربعون

ديار بكر - تركيا 1916م

برقت السماء وأنارت بوميض أبيض رسمت على خدها خطوطا متعرجة طويلة لامست الأرض عند نهاية المدى، وكأنها توحي إلى طرق الهجرة القسرية للشعب الأرمني من موطنهم الأصلي إلى أرض الشتات يسوقهم الجنود بالسياط دون رحمة لأيام وليال. وجوههم شاحبة غزاها الخوف من المصير المجهول، وأسبالهم رثة حفاة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يتساقطون على قارعة الطرقات جثثا هامدة من شدة الجوع والعطش والبرد القارس، والسير لا يتوقف لأجل أحد، كل من يحتضر يترك في مكانه يجابه مصيره لوحده في الفلاة، ثم يكون لقمة سائغة للوحوش البرية.

كان نهر دجلة شاهدا على أرواح لأجساد ناعمة بيضاء لم تطأها يد إنسان بسوء مذ خلقها الله، تعرضت للاعتداء الجسدي فلم تحتمل البقاء على قيد الحياة، فغسلت نفسها بالنهر ثم ارتقت إلى السماء، تبعتها صرخات الأمهات الثكالى دون أن يسمع لهن صوت أو يرأف بهن قلب، جثث تطفو على النهر، تجري الهوينا وكأنه مشهد تشييع تلاحقها أسراب من النوارس إلى مثواهم الأخير. كانت في مؤخرة الركب عربة يجرها أحد الشبان بصعوبة بالغة عليها رجل مسن يبدو أنه مريض أو لا يستطيع المشي، شيخ طاعن في السن ما كان قوته وتأثيره على الدولة حتى يهجر قسرا! لكن الفرمان، فرمان لا يفرق بين مذنب وبريء أو بين كبير وصغير. •••

انكسرت عجلة العربة ووقع الشيخ أرضا، توقف الجميع عن المسير وتجمعوا حوله، جرى حديث بين الشاب والجنود، كان يبدو عليهم الاستعجال لإنهاء مهمتهم. بعدها أجبروا الباقين بالمسير وتركوا الرجل المسن مع عجوز بدت أنها زوجته، على قارعة الطريق حاول ذلك الشاب إقناعهم بالبقاء معهما لكنهم أبوا ذلك، وانطلقوا في طريقهم، بقي الشاب يبتعد عنهما وهو يلتفت إليهما ويلوح بيد ويمسح دموعه بالأخرى.

بعد اختفاء المجموعة من على امتداد البصر، هرع أرتين مع غريغور نحوهما، عندما رأت المرأة العجوز القادمين صوبها راحت تحضن الشيخ، تبكي وترتجف من الخوف وتناجي الرب أن يحفظهما من شر القادمين، كلما اقترب أرتين منهما كانت الرؤية تتضح أمامه وضربات القلب تتسارع مع خفقان كبير، التفت إليه غريغور بوجه يعتليه الشوق: - ويكأنني أعرف هذه الهيئة وإن شحب الجسد.

ابتسم أرتين وكأنه ازداد يقينا بما شك فيه، لكن العجوز كانت قد ضمت رأس الشيخ إلى حجرها وتكورت عليه، فلا يرى منها سوى ثوب أسود وإشارب أبيض. عندما بلغا المكان قال أرتين لها: لا تخافي، نحن لسنا عثمانيين ولا قطاع طرق.

أخرجت المرأة شهقة عندما سمعت الصوت، ثم رفعت رأسها وصاحت بأعلى صوتها. - أرتين! - أمي.

ارتمى إلى حضنها وكأنه طفل صغير، كان وجهها شاحبا، وثيابها رثة تبكي وتشم أرتين وهي تكاد لا تصدق رؤيته، كان المختار تلمكيان يئن من الألم بسبب وقوعه من العربة، فقال غريغور: إن وجودنا هنا خطر، يجب أن نبتعد عن طريق الدرك ونحاول إيجاد مكان آمن.

حملاه على جواد أرتين وسارا مبتعدين عن الطريق، انتبه أرتين إلى أبيه وقد ذوى عوده، وخوي عموده، وانحنى صلبه، ورق جلده، ودق عظمه، ولم يبق من هيبته وكبريائه سوى ذلك الجسد الهزيل والوجه الشاحب، واللحية البيضاء الطويلة.

نامعلوم صفحہ