182

وصاح رجل: المجنون ... حذار يا صاحب السعادة ...

ووقع اضطراب شامل وضوضاء عالية.

لم أدرك بوضوح ما حدث، مادت بي الأرض، حوصرت تحت ضغط عشرات من الأيدي القوية.

ماذا أقول بعد ذلك؟ لقد جرى معي تحقيق خطير باعتباري مجرما سياسيا، ولما تبين لهم خطأ الرأي وجهوا لي تهمة الشروع في الاعتداء على المدير، انتقاما لحفظ شكواي.

وقد تعلمت في السجن حرفة النجارة، وفي ميدانها أكدح اليوم لتربية الأولاد.

أهلا

دقة أيقظته من شروده، دقة ماسح الأحذية التقليدية، رفع عينيه عن النارجيلة، فرآه واقفا يرمقه بعين صياد، مضت لحظة وهما يترامقان ثم تهلل وجه الرجل، هو أيضا ابتسم. - حمدا لله على السلامة يا بيك. - أهلا ... كيف حالك؟

وأشار إليه فقرفص عند قدميه فأعطاه حذاءه، لم يره منذ عشرين عاما، منذ انقطع عن المقهى القديم، كان فتى يافعا متين البنيان، متدفق الحيوية، يطوف بأرجاء الحي في رشاقة النحلة، يمسح الأحذية، ويروي النوادر والملح ... ها هو قد جف عوده وتغضن وجهه وأدركته شيخوخة مبكرة. - لم أرك منذ عمر طويل يا بيك؟ - الدنيا! - سافرت؟ - كلا. - وكيف هان عليك مكانك المفضل؟ - ها أنا أرجع إليه عند أول فرصة فراغ. - هل مرت الأعوام في عمل متواصل؟ - نعم. - ربنا معك.

منذ عشرين عاما كانا يكافحان عدوا مشتركا هو الفقر على اختلاف موقعهما منه. - لم تتغير يا بيك والحمد لله. - أنت أيضا لم تتغير! - أنا؟!

وضحك في سخرية ورثاء. - ربنا يقويك ! - كنت فقيرا حقا، ولكن الدنيا كانت رحيمة ويسيرة.

نامعلوم صفحہ