لعلها ظنت أنه يحوم حول الفتاة فشكرها، وهم بالذهاب فقالت المرأة: أسرة طيبة.
فوافق بإحناءة من رأسه فسألته: هل تعرفهم؟
فأجاب بالنفي، واقتنع في ذات الوقت بأن المرأة تقوم بدور الخاطبة، وحدثته عن حسام ودولت، وأبدت استعدادا طيبا لتقديم أي خدمة شريفة، وقالت له بغتة وهي تغمز بعينها: ها هو حسام ذاهبا إلى المقهى.
التفت عمرو وقلبه يدق بعنف.
ولكنه رأى رجلا لم تسبق له رؤيته، مضى بدينا أنيقا فاقع البياض غزير الشارب لا يمت بصلة للرجل الذي يبحث عنه، انهارت تقديراته وخاب مسعاه، وأدرك أن البواب ما دله على عم أمين إلا باعتباره أقرب إسكافي، أما سر حذائه هو فما زال سرا، وما زال احتمال أن يكون هدية قائما، وغير مستحيل في النهاية أن يكون صاحبه.
ورجع إلى النقطة التي منها بدأ. •••
لو تنكشف تلك الغمة؛ فيملأ رئتيه بالهواء النقي بعمق وتوبة، ويعزم جادا على إكمال نصف دينه بالاقتران من دولت فيظي! لقد تجنب الاقتراب من شوارع برمتها، كما يتجنب عيني عم سليمان، وثمة نسيان جاحد يسدل أهدابه على لطيفة ومأساتها، وهو الوحيد الذي يحترق في خفاء بذكرياتها. وفكر ثم فكر، وكتب رسالة مطولة للمحقق استهلها بقوله: «أنا صاحب الخمر والشيكولاطة، وإليك الشهادة الوحيدة التي تنفعك.» كتبها بعناية وحشدها بالتفاصيل، ولكنه لم يوقع عليها بإمضائه، ولم يرسلها، أجل ذلك حتى يستوفي التفكير في كافة وجوهها واحتمالاتها، وقال لنفسه: إنه لن يذوق للراحة طعما حتى يلقى القبض على القاتل. وتساءل أي بواعث يا ترى دفعته إلى قتلها بعدما ثبت من التحقيق أنه لم تكتشف سرقة وراء الجريمة؟ أما كان الأجدر أن يقتلها هو - عمرو - وقد توفرت لديه لذلك أسباب وأسباب؟ كان يمقتها بقدر ما كان يحبها، ولم يغفر لها نهمها الجنوني للمال والسلطان، وتضحيتها به في سبيل ذلك، وكان يشد عليها بقوة وهي بين ذراعيه رغبة وحنقا، على أي حال فلا يجوز له أن يمني النفس بحياة زوجية سعيدة مع دولت فيظي حتى تنكشف الغمة تماما، وتهدأ أعاصير الوجود. وذهب من فوره إلى العمارة المشئومة ليكمل علاج أسنانه، وانتهز فرصة هبوط المصعد فصعد إلى الدور الرابع بقوة لا تقاوم، وجد المصباح فوق باب شقة المقاول مضاء، فتح الباب فظهر المقاول وهو يوسع لضيف فتوارى عمرو في نهاية الطرقة، وسمع حوارا بينهما فقال المقاول: لا تنس عيد الأضحى.
فأجاب الرجل. - كل عام وحضرتكم بخير.
فقال المقاول: سنذبح هذا العام بقرة.
فقال الرجل: ونصنع من جلدها حذاء كلاسيكيا.
نامعلوم صفحہ