سيجري بيننا حوار مفيد، وإن كان ثمة جديد فلعله يكمن في صدرك الصامت ... (الرجل يضرب الهواء بسوطه محدثا طرقعة رهيبة.) (الأحمر والأبيض يتلاصقان. يحاولان مغادرة المكان ولكن قدميهما لا تسعفانهما، يسقطان، يزحفان على أربع إلى الخارج حتى يختفيا تماما. العروس مستمرة في الرقص وحدها ... الرجل تأخذ حركته في التباطؤ رويدا رويدا، حتى يقف تماما، وهو يحرك قدميه (محلك سر). العروس ترقص وحدها أمام الرجل.) (ستار)
تحقيق
دق جرس الباب. انفصل جسداهما في حركة متشنجة بالفزع، وثبا إلى ملابسهما وهو يهمس: قلت إنك لا تتوقعين قدوم أحد.
فقالت هامسة أيضا: لعله الكواء.
وكان يرتدي ملابسه بيديه وقدميه ويقول: يجب أن أستعد للاختفاء ولكن أين؟ - لا أظن أنك ستضطر إلى ذلك، وإذا وقع المستحيل فادخل تحت السرير.
وغادرت الحجرة وهي تحبك الروب حولها، ثم ردت الباب. نظر إلى أسفل السرير ولكنه مضى بخفة إلى ما وراء الباب يتنصت. سمع صوت الباب وهو يفتح، ثم وهو يغلق، ووقع قدمين ثقيلتين. في لحظات خاطفة توارى تحت السرير، من القادم؟ ليس الزوج وإلا لجاء إلى حجرة النوم ليخلع ملابسه. ليس الزوج على وجه اليقين فقد اتصلت به تليفونيا في الإسكندرية منذ ساعة واحدة. إنه فيما يبدو من المترددين على البيت، بل هو من أهل البيت على نحو ما وإلا ما اقتحمه في هذه الساعة من الليل. لبد في مكمنه يمزقه القلق والإحساس بالنكد بعد أن ثمل بدفء اللذة. وليصبر فسيذهب عاجلا، لا يمكن أن تطول الزيارة إلى ما لا نهاية، وسينتهي بالتالي عذابه. انقضت عليه فكرة كحشرة طائرة، ألا يحتمل أن يدخل القادم حجرة النوم فيرى زجاجة الكونياك وعلبة الشيكولاطة؟ هل يزحف إلى الخارج ليعود بالزجاجة والعلبة؟ لكنه لم يتحرك، لم يجد الجرأة الكافية، وأطبقت عليه التعاسة أكثر فأكثر. ومضى الوقت وطال وثقل. تلهى بالنظر إلى نقوش السجادة وألوانها، وقد اختلطت وغامت تحت نور الأباجورة الأحمر الخافت، وإلى أرجل المقاعد والشيفونيرة المغروزة في وبر السجادة. وارتعد لسماع صوت طارئ، ثم رأى باب الحجرة وهو يفتح في هدوء. دخل شخص بلا ريب، ها هو حذاؤه الأبيض ذو السطح البني وطرف بنطلونه. واتجه يسارا نحو الصوان ففتحه، وقف أمامه دقيقة أو دقيقتين ولكن أين لطيفة؟ وأغلق الصوان ثم مضى نحو الباب في هدوء كما جاء، ترى ما معنى ذلك؟ ومتى يخرج من زنزانته؟ واشتد به التوتر والإرهاق واليأس، خيل إليه أنه وقع في شرك، وأن يدا حديدية تمتد للقبض عليه وأن قدميه تندسان في حذاء أبيض ذي سطح بني، وأن عليه أن يرسم خطة كاملة للتملص من مأزقه في زنزانته. وقال له صوت باطني يضطرم بالرعب والإلهام إن نجاته رهن بقوة خياله، وإنها وحدها القادرة على تحويل الكابوس إلى حلم. وهو لن يبقى تحت السرير إلى الأبد في هذا الصمت العميق العجيب. إنه يمد ذراعه لينظر في الساعة، ويخرج رأسه في حذر كالسلحفاة ليتنفس هواء نقيا بعض الشيء ويرهف السمع فيجد هدوءا مخيفا، ولكنه يشجع على مغادرة الزنزانة، كأن الموت يربض في الظلام مجمدا كل حركة مسكتا كل صوت، وأرهقه التعب لحد التهور، وتجمعت كل قواه المضمحلة في وثبة جنونية للدفاع عن النفس في مغامرة مرتجلة يائسة. •••
طلع الصبح دون أن يغمض له جفن. سمع دقات رقيقة على باب حجرته. وجاءه صوت محشرج هاتفا: سي عمرو، اصح.
ما أجدر أن يتغيب اليوم بعذر ما، ولكنه نبذ الفكرة بلا تردد قائلا لنفسه: «هو الجنون بعينه»، وصاح: صحيت يا أم سمعة!
ولما جلس إلى المائدة الصغيرة في الصالة رأى طبق المدمس، وقدح الشاي باللبن، والرغيف المجمر فمد يده إلى القدح وهو يقول: سأكتفي بالشاي.
فلم يفصح وجه العجوز عن تعبير، وجه ذو سحنة واحدة، ولكنها قالت: كل لقمة تسند قلبك.
نامعلوم صفحہ