جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين
[البقرة: 31] أنكم تعلمون أن جميع بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء على ما ظننتم في أنفسكم، إنكارا منه جل ثناؤه لقيلهم ما قالوا من ذلك على الجميع والعموم، وهو من صفة خاص ذرية الخليفة منهم. وهذا الذي ذكرناه هو صفة منا لتأويل الخبر لا القول الذي نختاره في تأويل الآية. ومما يدل على ما ذكرنا من توجيه خبر الملائكة عن إفساد ذرية الخليفة وسفكها الدماء على العموم، ما: حدثنا به أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن سابط، قوله: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } قال: يعنون الناس. وقال آخرون في ذلك بما: حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد ، عن قتادة قوله: { وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الأرض خليفة } فإستشار الملائكة في خلق آدم، فقالوا: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } وقد علمت الملائكة من علم الله أنه لا شيء أكره إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } فكان في علم الله جل ثناؤه أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل، وقوم صالحون، وساكنوا الجنة. قال: وذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: إن الله لما أخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما الله خالق خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم منا فابتلوا بخلق آدم، وكل خالق مبتلى، كما ابتليت السموات والأرض بالطاعة فقال الله:
ائتيا طوعا أو كرها قالتآ أتينا طآئعين
[فصلت: 11] وهذا الخبر عن قتادة يدل على أن قتادة كان يرى أن الملائكة قالت ما قالت من قولها: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } على غير يقين علم تقدم منها بأن ذلك كائن ولكن على الرأي منها والظن، وأن الله جل ثناؤه أنكر ذلك من قيلها ورد عليها ما رأت بقوله: { إني أعلم ما لا تعلمون } من أنه يكون من ذرية ذلك الخليفة الأنبياء والرسل والمجتهد في طاعة الله. وقد روي عن قتادة خلاف هذا التأويل، وهو ما: حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { أتجعل فيها من يفسد فيها } قال: كان الله أعلمهم إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فذلك قوله: { أتجعل فيها من يفسد فيها }.
وبمثل قول قتادة قال جماعة من أهل التأويل، منهم الحسن البصري. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن جرير بن حازم، ومبارك عن الحسن، وأبي بكر عن الحسن، وقتادة قالا: قال الله لملائكته: { إني جاعل في الأرض خليفة } قال لهم إني فاعل. فعرضوا برأيهم، فعلمهم علما وطوى عنهم علما علمه لا يعلمونه. فقالوا بالعلم الذي علمهم: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } وقد كانت الملائكة علمت من علم الله أنه لا ذنب أعظم عند الله من سفك الدماء { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون }. فلما أخذ في خلق آدم، همست الملائكة فيما بينها، فقالوا: ليخلق ربنا ما شاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه. فلما خلقه ونفخ فيه من روحه، أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا، ففضله عليهم، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه، فقالوا: إن لم نكن خيرا منه فنحن أعلم منه، لأنا كنا قبله، وخلقت الأمم قبله، فلما أعجبوا بعلمهم ابتلوا
وعلم ءادم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين
[البقرة: 31] أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قال: ففزع القوم إلى التوبة وإليها يفزع كل مؤمن فقالوا:
سبحنك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم قال يآءادم أنبئهم بأسمآئهم فلمآ أنبأهم بأسمآئهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموت والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون
[البقرة: 32-33] لقولهم: ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم منا. قال: علمه اسم كل شيء، هذه الجبال، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش، وجعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضت عليه كل أمة فقال
ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموت والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون
نامعلوم صفحہ