جامع ابو الحسن البسيوی
جامع أبي الحسن البسيوي جديد
اصناف
وكذلك وجب عليه ما أحل بنفسه من معصيته الذي لم يزل، وقد جعل الله الكفر خلافا للإيمان، وقد بين ذلك فقال: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}. وقال: {ليبلوني أأشكر أم أكفر}، وقال:{واشكروا لي ولا تكفرون}، فجعل الشكر طاعة وإيمانا، والكفر معصية، والعاصي مجزي بما عصى، والمطيع مجزي بما أطاع، وقد جعل الله ذلك كذلك، وعلمه وأتقنه وبينه.
وقال: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}، وذلك كله تدبير الله تعالى.
فإن قال قائل: إن فاعل الظلم ظالم، فلما كان الله تعالى أحكم الحاكمين علمنا أنه غير فاعل للظلم.
قيل له: تعالى الله أن يفعل الظلم على وجه ما يفعله العباد، ولا يأمر بالظلم ولا الفحشاء، بل يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر.
وقال: {لا تظلمون ولا تظلمون}، وقال: {وما للظالمين من أنصار}، والله تعالى لا ينسب إليه الظلم، و{لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}.
فأما خلق الظلم فالله تعالى قد قال: {خالق كل شيء}، {وجعل الظلمات والنور}، وقال: {يخرجهم من الظلمات إلى النور}، فهو خالق لجميع المخلوقات كلها.
وقد قال: {هل من خالق غير الله} ممتدحا أنه لا خالق غيره، فقد جعل الظلم ظلما من الظالم فعلا مكتسبا له؛ لأن العبد لم يخلقه ولكن اكتسبه، وقد قال الله: {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه}.
صفحہ 125