قال مالك: دم الرعاف لا ينقض الطهارة؛ لأن علة نقض الطهارة من دم الاستحاضة؛ لأن مخرجه النجاسات، ومخرج الرعاف ليس من مخرج النجاسات، ولا مخرج ينقض الطهارة. وقول أبي حنيفة نحو قول أصحابنا؛ لأن العلة في ذلك النجاسة، وكل دم هذا حكمه؛ دم رعاف أو غيره، ووافق الشافعي قول المالك في قوله وعلته. وقال أبو بكر الأصم دم الرعاف ينقض الطهارة، لأن دم الاستحاضة دم عرق، ودم الرعاف دم عرق وكل منهم رجع إلى أصل متفق عليه، وقاس علته عليه وهي الاستحاضة. وقال مالك والشافعي وأبو بكر الأصم وداود: إن دم الاستحاضة ليس بنجس، وعندي أن ذلك خطأ منهم؛ لأنه دم، وقد سمى الله الدم أذى، وعم الدم بتحريمه لقوله عز وجل: { ?حرمت عليكم الميتة ولحم الخنزير } (¬1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه دم عرق، ودم الرعاف دم عرق" (¬2) ومخرجه مخرج النجاسات، وإذا اعتورته هذه الأسباب فأقل أحواله أن يكون نجسا ينقض الطهارة والله أعلم.
وكل قد اجتهد وقاس وشبه الحادثة إذا وردت بأصل متفق عليه من الكتاب والسنة والإجماع، والمانع من القياس قد ترك المناصحة لنفسه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس واجتهد في بعض الحوادث، ومن ذلك أن الخثعمية لما سألته فقالت: يا ر سول الله: "إن أبي شيخ كبير ولا يستمسك على راحلته، وقد أدركته فريضة الحج، أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم لها: "أرأيت لو كان أبيك دين فقضيتيه أكنت قاضيه عنه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق، أو قال أولى" (¬3) ، فقد شبه لها وتركها والاستدلال لما (¬4) بينهما من وجه القياس، والله أعلم.
¬__________
(¬1) المائدة: 3.
(¬2) رواه أبو داود.
(¬3) متفق عليه.
(¬4) في (ج) بما.
صفحہ 73