جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
اصناف
والصراع السياسي أتون التاريخ وميدان تحققاته. والسياسة هي ميدان المصالح المتصارعة. لذلك ارتبطت السياسة بالتاريخ. فالنظام السياسي الصالح شرط البقاء في التاريخ للأمة. وهو النظام الشوري والذي يقوم على إسناد الأمر إلى أهله، والاشتراكي الذي لا يترك المال دولة بين الأغنياء. والثورة قانون اجتماعي عندما يصل المجتمع إلى حالة اليأس مثل الحالة التي وصل إليها المجتمع المصري والتي لم يعد من الممكن تحملها حتى انفجرت الثورة العرابية. كما أن أحوال الشرق كله أدت إلى استعماره من الغرب ثم ظهور روح التحرر في الشرق للنهضة والثورة ضد الإجحاف بالشرقيين. فالإحساس بالظلم يولد الثورة. والاستعداد للنضال قانون طبيعي فطري يؤكده القرآن في ندائه
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
وإن سيادة أمة على أخرى وإذلالها مخالف للطباع والعوائد، والمقاومة لهذا التسلط والذل أمر طبيعي. السيادة الأولى تريد الإفناء والمقاومة، والثانية تريد البقاء. الوعد الإلهي هو قانون التاريخ. ولما كان الوحي لا يخلف؛ فالقانون الإلهي ضروري، نشأت الأمة من لا شيء ونالت كل شيء ثم فقدت كل شيء. وهو قانون للتاريخ، لنهضة الأمم وسقوطها، والأمة الإسلامية مترامية الأطراف حوالي مائتين وثمانين مليونا وهي الآن بليون نسمة من الأطلنطي إلى الصين، ثروات وأراض ولكنها منهوبة ومسلوبة ومجزأة ولا قوة لها. وقيامة الأمة بالفضائل والتمسك بالحق. وانهيارها بالرذائل والابتعاد عنه. يغتصب الأجانب الديار، ويستذلون الأهل، ويسفكون دماء الأبرياء من الإخوان، ولا يتحرك أحد. عدو وفير ومذلة وهوان. فهي أمة أصحاب الملك المسلوب والمال المنهوب.
والأمة في التاريخ، والتاريخ هو الزمان، حركته نحو الماضي ونحو المستقبل. الحركة نحو الماضي تنشئ الحركة السلفية وتقليد الأسلاف، والحركة نحو المستقبل تنشئ الحركة التقدمية والرغبة في التجديد. فالمسلم الآن يعجب بماضيه، ويغفل عن حاضره ومستقبله، في حين أن الغربي يهتم بحاضره وبمستقبله أكثر مما يعكف على ماضيه.
23
ويقارن الأفغاني بين السلف والخلف في الخطبة، ويجد أن خطبة السلف خير من خطبة الخلف مما يقوي الموقف السلفي. ففي مقاله عن
سنن الله في الأمم
بالرغم من أن العنوان يوحي بقوانين التاريخ إلا أن المضمون في حسن البلاغة والخطاب والإيجاز في البيان للخلفاء الراشدين، مثل خطبة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة عن العقد بين الحاكم والمحكوم، وموعظته لأسامة بن زيد أمير الجيوش عن تحريم التدمير والقتل للزرع والنساء والأطفال والشيوخ في الحرب، ووصية عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري في كيفية القضاء وضرورة الاعتماد على القياس، الأشباه بالأشباه والنظائر بالنظائر، ووصيته إلى أمير الجيوش سعد بن مالك بن وهب إلى العراق، ووصيته لعتبة بن مروان إلى البصرة وللمغيرة بن شعبة ثم لعزله، وقوله لعمرو بن العاص عن خلق الناس أحرارا. ويقارن الأفغاني بين الماضي والحاضر، خطبة القدماء وخطبة جامع البصرة مكتوبة دون قواعد ودون مضمون.
24
ولما كانت اللغة عنوانا للفكر وكاشفة لمضمونه فإن اختيار الأفغاني لبنية الخطاب القديم المركز الدال وبنية الخطاب الجديد المسهب الذي لا يحيل إلى شيء له دلالته على أدبيات اللسان ونهضة الأقوام. وكيفية الكلام تكشف عن كيفية الفكر ومدى الالتزام بالواقع أو الخروج عنه. وقلة الكلام قد تعني التوجه نحو الفعل. وكثرة الكلام قد تعني العجز عن الفعل. والتركيز في الكلام قد يعني صدق الفكر، والإسهاب فيه قد يعني النفاق والكذب والإلهام. لذلك نهض القدماء وسقط المحدثون.
نامعلوم صفحہ