جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
اصناف
11
وكما لاحظ ابن خلدون من قبل أن المغلوب مولع بتقليد الغالب.
ولهذا التقابل بين الشرق والغرب طمع الغرب في الشرق. وامتدت مطامع الغرب إلى عموم دول الشرق. وأصبحت ممالك الشرق وأهله مهددة بأن يكون مصيرها مثل مصير مصر والاحتلال، والاحتلال سبب الفوضى وارتكاب المنكرات والتعدي والسرقات. فالشراك منصوبة والسقوط قريب إلا إذا نهضت الأمم الشرقية ووحدت كلمتها ونشطت عقولها، وعمل أولو العزم، وحفظت أسباب الملك، ومقومات الحرية والاستقلال. وشر أدواء الشرقيين اختلافهم على الاتحاد، واتحادهم على الاختلاف. وبعد تقسيم الدولة العثمانية إلى عشر خديويات، لكل منها استقلالها الذاتي في نظام لا مركزي، تطالب إيران وأفغانستان والهند الآن بالاعتماد على السلطنة حماية لها من مطامع الغرب وحتى يعود الشرق للشرقيين. كان هدف الأفغاني إذن إيقاظ المسلمين والشرقيين بالحجج والبراهين وإظهار فظائع حكمهم ليبين لهم أسباب الاستعباد والذل والمهانة لمن لم يسقط بعد من ممالك الشرق في براثن الاستعمار أو ليؤجل سقوطه ويلم شمله. ولكن انهيار ممالك الشرق كان لا يمكن إيقافه وهو في الانحدار لبعده عن الدين، والمسكنات لا تغني عن المرض والموت، وموت الأموات خير من ميت الأحياء، وكأن الأفغاني هنا مع حتمية التاريخ في السقوط والنهضة.
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
وبسبب هذا الطمع، وهو الباعث الأخلاقي على نشأة الاستعمار، وسع الأوربيون ممالكهم، وتفننوا في ذلك بالحرب والقتال والغزو أو بالدهاء والحكمة واللين والخديعة. وقد أدى كلاهما إلى الاستعمار، وتحويل ممالك الشرق إلى مستعمرات، وحكامه إلى مستعمرين. ولفظ «الاستعمار» من الأضداد فإنه يعني الإعمار والتعمير حسب الاشتقاق، ولكنه في الواقع يعني التخريب والاسترقاق والاستعباد، ولا تستعمر إلا البلاد الغنية في ثرواتها ومعادنها وتربتها لجهل أهلها وخمولهم. ولا تنفع المقاومة الضئيلة أمام المعدات الحديثة. وقد يدخل الاستعمار بلعبة حربية، انتصارا لأمير أو تثبيتا لملك أو قمعا لثورة وبدعوى الصداقة وحب الشعب ورقيه، الاستعمار تسلط دول وشعوب قوية على دول وشعوب ضعيفة وجاهلة. فالقوة والعلم أسباب حركة الشعوب والتاريخ إلى مناطق الضعف والجهل. فهو قانون تاريخي ثابت. والدول تخضع لقانون الحياة، القيام والسقوط، النهضة والانهيار، وهي قوانين الحياة والموت. الضعيف يخشى من القوي ويرهبه، والقوي يستذل الضعيف ويستعبده. استعمر الإنجليز الأمريكيين، فقام الأمريكيون بثورة ضد الإنجليز، وتحرروا من الاستعمار دون اللجوء إلى الشكوى. وقاد استقلالهم جورج واشنطن طبقا لقول الشاعر:
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
كما استقلت ولايات العثمانيين، اليونان والعرب والجبل الأسود وبلغاريا ورومانيا وهي دويلات صغيرة مدافعة عن الحرية والاستقلال. لا يفرق الأفغاني إذن بين استعمار إنجلترا لأمريكا واستعمار الأتراك لدول شرق أوروبا، ويأخذ صف المستعمرين حتى ولو كانوا من النصارى ضد المستعمرين حتى ولو كانوا من المسلمين. لم يكن حضور آل عثمان في دول البلقان حضور الفاتحين المسلمين الأوائل، حضور العدل والحرية والمساواة والتعريب بل كان حضور المستعمر الأجنبي، حضور الظلم والقهر والاستغلال والتتريك.
12
نامعلوم صفحہ