جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
اصناف
الرد على الدهريين
أم
دفاعا عن الدهريين ؟ وأي خاطرات يمكن أن تجول في ذهنه أو تعتمل في نفسه، وقد أخذت أمريكا مكان بريطانيا في السيطرة على العالم، وأصبحت تركيا تهدد شمال العراق وسوريا بالتحالف مع إسرائيل وأمريكا، ولم تعد دولة الخلافة ويهددها الشقاق بين الجيش الذي ما زال يمثل الثورة الكمالية والحكومة التي تمثل حزب رفاه، التيار الإسلامي المعقول وريث تركيا الإسلامية؟ وماذا عن إسرائيل التي استولت على فلسطين، وتقوم بتهويد القدس أمام عجز العرب وتفككهم؟ وماذا عن حصار العراق وليبيا؛ فالعرب لم يعودوا أحرارا في بلادهم؟ وماذا عن مخاطر تفتيت السودان وتهديد وحدتها من جيرانها بتدعيم الغرب وإسرائيل بعد أن كانت تمثل ثورة المهدي ضد الإنجليز، وتكون مع مصر وحدة وادي النيل؟ وهل انتهى مشروع الأفغاني الذي صاغه القرن الماضي: الإسلام في مواجهة الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل؟ وماذا عن الغزو الصربي للبوسنة والهرسك، والسوفيتي للشيشان وقبلها لأفغانستان، والهند واحتلالها كشمير، وتقسيم باكستان؟ وهل انتهت نظم القهر في الداخل، والدول العربية نموذجا محكومة إما بنظم عسكرية أو ملكية، إما من الجيش أو قريش، وكلاهما ليسا نظامين إسلاميين يقومان على أن الإمامة عقد وبيعة واختيار؟ وهل انتهى تقليد الغرب أو جهل علماء المسلمين؟ وهل انتهت سلبية الجماهير وعجزها ولا مبالاتها أم أنها ما زالت في حاجة إلى أفغاني يبعث من جديد، وإلى عروة وثقى جديدة؟ لذلك يقوم المنهج المتبع في هذا الكتاب على عدة مستويات: (1)
العرض والتحليل لنصوص الأفغاني كما هي عن طريق شرحها والتعبير عنها موضوعيا كما يفعل المبتدئون في العلم وطلاب الدراسات العليا دون اجتهاد أو تأويل دون الوصول إلى حد التكرار الممل وتحصيل الحاصل الذي يسود الكتب الجامعية. (2)
المناقشة والحوار للآراء المعروضة في حد ذاتها، وفي إطارها التاريخي، وفي مستوى عصرها من أجل تعميقها وتفتيحها وتحريكها استعدادا لإعادة كتابتها وإنتاجها وصياغتها في ظروف أخرى جديدة حدثت بعد قرن من الزمان. وهو ما يفعله الطالب المجتهد الذي لا يكتفي بالعرض والتحليل بل يتجرأ إلى المناقشة والحوار إعدادا له وتمرينا كي يتجاوز المادة العلمية إلى مادة علمية أخرى يضيفها. فهو جزء من العلم وليس خارجا عنه، ذات وموضوع في آن واحد . (3)
إعادة كتابة نصوص الأفغاني بناء على الظروف الحالية، وكأن الباحث أصبح أفغانيا جديدا، وكأن الأفغاني نفسه قد بعث من جديد بعد مائة عام، فيتحول العلم إلى عمل، ويستمر القصد الأول في التاريخ، ويكون الباحث جزءا من حركته وليس متفرجا عليه، مصورا له في إحدى لحظاته الماضية.
وتتم الخطوة الثالثة على مراحل ثلاث: (أ)
وضع النص في صياغته الأولى في إطاره التاريخي من أجل تفسيره ووصف التجارب الأولى التي نشأ فيها، والظروف التاريخية التي عاشها المؤلف من أجل معرفة كيفية إنتاج النص الأول. ويكون الخطأ في إهدار سياق الصياغة الأولى أو تكرارها في سياق آخر مختلف والحكم عليها بالخطأ والصواب. (ب)
إعادة كتابة النص في صياغة ثانية بناء على الظروف المتغيرة وبيان مدى الاتفاق والاختلاف مع التجارب الأولى، الاتفاق واستمرار الصياغة والاختلاف وإعادة كتابة النص. فعل القراءة هنا يتجاوز فعل التأويل إلى إعادة إنتاج النص من جديد. فلا توجد صياغة ثابتة وإلا قضى على الهدف من النص وهو تحريك الواقع. ولا يوجد للنص مؤلف واحد بل عدة مؤلفين؛ فالقارئ الثاني مؤلف مشارك، والمؤلف هو قارئ أول. المؤلف الأول يفهم من الواقع إلى النص والقارئ الثاني يفهم من النص إلى الواقع ثم يعيد الكتابة من الواقع إلى النص. (ج)
لا يوجد خطأ وصواب في النص في صياغته الأولى إلا بقدر ما يعبر عن ظروفه التاريخية الأولى وبواعث مؤلفه الأول. لا توجد مرجعية خارجه، بعيدة عن لغته وسياقه وبواعثه. ولا يوجد خطأ وصواب في الصياغة الثانية إلا بقدر تغير نشأة النص الأول ثم إعادة إنتاجه في ظروف مغايرة مع الإبقاء على بواعثه ومقاصده وأهدافه التي تحدد مسار حركته. الثابت بين النص الأول للمؤلف والنص الثاني للقارئ وربما الصياغات المستقبلية لقراء آخرين هو روح النص، النص باعتباره مقاصد وغايات وبواعث فردية وجماعية وحركة تاريخية وتراكم خبرات طويلة تكون الوعي التاريخي لحضارة وشعب.
نامعلوم صفحہ