والشراب إذا شرب أذهب جميع الغموم وخبث النفس إذهابا بينا، كما نجرب ذلك فى كل يوم . وقد قال زينون فيما يزعمون: إنه كما الترمس إذا أنقع بالماء حلا كذلك أيضا يصيبنى أنا من الشراب. وقد يقولون أيضا: إن العقار المسمى أونوفيا [و]هو يفعل ذلك أكثر، وإن هذا العقار هو دواء كسانى القبطية الذى قال فيه الشاعر: [الا] إنى أعطيت منه وهو المذهب للغم والغضب والمنسى لجميع الشرور. ولكنا ندع القول فى العقار المسمى اونوفيا، فإنه ليس بنا إليه حاجة فى هذا الموضع، إذ كنا قد نجد الشراب فى كل يوم يفعل جميع ما ذكرته الشعراء فيه. ومما قالت الشعراء فيه: صرعتك الخمر اللذيذة المضرة بمن أكثر منها ولم يشربها على ما ينبغى. وقال الشاعر أيضا: إن الخمر غلبت على أوريطى القنطورى المحمود حين شربها فى منزل فيريثواس الكبير النفس، وفارقه بسببها عقله، فصار كالمجنون وفعل أفعالا رديئة فى منزل فيريثواس. وقال أيضا فى الخمر: إنها تبعث الركين العاقل على أن يتغنى ويتشبه بأهل الضعف واللين، وأن يرقص ويرسل لسانه بالقول الذى تركه أجود. وقال فيها ثاغنس: إن الشراب إذا أكثر شربه كان دريئا، وإذا شربه الإنسان بمعرفة لم يكن رديئا بل جيدا. وحق أن الشراب إذا شرب باعتدال كانت منفعته عظيمة فى الهضم واتصال الغذاء وتولد الدم والاغتذاء وتسليس النفس وتشجيعها. وبين أن الشراب إنما يفعل ذلك بتوسط مزاج البدن، ويفعل المزاج أيضا بتوسط الكيموسات.
وليس من شأن مزاج البدن أن يغير أفعال النفس على ما وصفت فقط، بل قد يمكنه أن يفرق بيتها وبين البدن أيضا ويفصلها منه. وعسر أن يقول أحد من الناس غير هذا، إذ كان قد يرى أن الأدوية التى تبرد أو تسخن بإفراط تقتل شاربها من ساعته. وسموم الحيوان ذوات السم من هذا الجنس أيضا، وذلك أنا قد نرى أن الذى تلسعه الدابة التى يقال لها أسفيس يموت من ساعته، كما يموت الذين يشربون قونيون، وذلك لأن سم هذه الحية أيضا يبرده. فقد يجب إذا على من يجعل للنفس جوهرا خاصا أن يقر بأنها متغيرة لأمزاج البدن، إذ كان للأمزاج عليها من السلطان ما يفصلها من البدن ويفرق بيها وبينه، ويضطرها إلى أن لا تعقل وتعطل ذكرها وفهمها، ويجعلها غالبا عليهم الاىغتنام والفزع والحرد، كما نجد ذلك يكون فى المرض المسمى مالنخوليا، ونجد خلافه يكون إذا شرب الإنسان من الشراب مقدارا معتدلا.
صفحہ 16