وقد أوضحنا أن قوى النفس تابعة لجوهرها، وذلك أن أفعالها تابعة لهذا. فإن كان نوع النفس الفكرى ميتا، فهو أيضا مزاج ما للدماغ. ويجمع من ذلك أن جميع الأنواع والأجزاء التى للنفس لها قوى تابعة للمزاج أعنى تابعة لجوهر النفس. وإن كان هذا النوع غير ميت كرأى أفلاطن والموت فى رأيه إنما يكون بمفارقة النفس البدن، فما بال استفراغ الدم الكثير وشرب قونيون والحمى المحرقة تفرق بينهما وبين البدن؟ فلو أن أفلاطن كان بين لم تفارق النفس البدن إذا برد الدماغ بردا مفرطا أو سخن سخونة مفرطة أو يبس أو رطب بإفراط، لكان قد أحسن كإحسانه فى سائر ما قال فى النفس. لو أنه كان حيا، لكنت سأسأله لأن يعلمنى ذلك. ولكن لأن أفلاطن ليس بموجود ولم يعلمنى أحد من المعلمين الأفلاطونية السبب الذى يضطر النفس إلى مفارقة البدن، فإنى أقدم على أن أقول: إنه ليس كل نوع من أنواع الأجسام يصلح لفبول النفس الفكرية. فإنى أجد هذا غير مخالف فى النفس، من غير أن يكون عندى على ذلك شىء من البرهان، وذلك لأنى ليس أعرف جوهر النفس كيف طبيعته، متى جعلتها من جنس الأشياء التى ليست بأجسام. فقد أجد الأمزاج مختلفة جدا فى الأجسام كثيرة جدا. وأما جوهر ليس بجسم قد يمكن أن يكون على حدته وليس هو كيفية ولا صورة لجسم، فليس يمكن أن أفهم فيه شيئا من الفصول، على أنى قد فكرت فى ذلك مرارا كثيرة وفحصت عنه بعناية. وكذلك أيضا لم يمكنى أن أفهم كيف إذ كانت ليس شيئا من البدن يمكنها أن تبسط وتمتد فيه كله. فهذه أشياء ليس يمكنى أصلا أن أتوهمها على أنى قد حرصت على ذلك دهرا طويلا . ولكنى لأنى أعلم أن هذه الخصلة بينة ظاهرة للحس، وهى أن إفراغ الدم وشرب قونيون بأكثر من المقدار يبردان البدن والحمى الصعبة المفرطة تسخنه، أرد أيضا قولى بعينه فأقول : إنى قد أكثرت الطلب والتفتيش عن السبب الذى من أجله إذا برد البدن أو سخن بإفراط تركته النفس البتة، فلم أقدر عليه، كما أنى لم أقف على السبب الذى من أجله متى كثرت المرة الصفراء فى الدماغ أخرجت الإنسان الى الوسواس، وإذا كثرت فيه المرة السوداء خرج الى المالنخوليا، ومن قبل البلغم والأسباب الباردة جملة يعرض المرض الذى يسمى ليثغس وفساد الفكر وفساد العقل. ولا وقفت على السبب الذى من أجله [صارت] الحشيشة التى تسمى موريون إذا شربت صيرت النفس إلى حال كحال الرعونة، وهى الحشيشة التى اشتق اسمها من اسم المرض الذى يوجد البدن بمرضه منها أعنى موريا وهو الرعونة.
صفحہ 15