وهنا تدخل متولي في الحديث قائلا: لننه هذه الحكاية ونتوسط في الأمر. ما قولك يا حاج خيري نجعلها ثلاثين في المائة؟ - قليلة. - خمسة وثلاثون في المائة. - على بركة الله. قل شيئا يا توفيق بك. - والله النسبة كبيرة، ولكن على بركة الله كما قلت.
وقال متولي: نذهب اليوم إلى الأستاذ حسان المهدي ونكتب عقد الشركة.
واستقبلهم الأستاذ حسان مرحبا، فقد كان المحامي الذي يعطيه متولي كل أوراقه، وقد أعجب به توفيق أيضا فكان محامي الشركة التي قامت بين متولي وتوفيق، فحين تم الاتفاق بين عناصر الشركة الثلاثية لم ير الحاج خيري مانعا أن يكون حسان محامي الشركة. وكانت الأواصر قد توطدت بين حسان وتوفيق كما كانت من قبل وطيدة بين حسان ومتولي، وبلغت العلاقات بين توفيق وحسان من المتانة إلى درجة أن توفيقا دعا حسانا للغداء بمنزله. الأمر الذي لم يسبق لتوفيق أن صنعه مع أي صديق آخر. وفي هذه الدعوة تعرف حسان على مبروكة وفتحي. •••
الفصل الحادي عشر
تزوجت مبروكة وهي ناجحة من السنة الثانية إلى الثالثة بكلية الهندسة من سعيد، واتفقا على أن يؤجلا الإنجاب حتى تتخرج مبروكة. وكان سعيد زوجا طيعا متفقا كل الاتفاق مع مبروكة المستبدة، حتى إنه كان ينزل على رأيها في كل كبيرة وصغيرة.
وطبعا عملت مبروكة حين تزوجت - وحتى قبل أن تتخرج ببضعة أشهر - بشركة المقاولات التي يشارك فيها أبوها وحموها، وراحت تتدرب على يد مهندسين كبار. حتى إنها لم يمر عليها عامان حتى كانت مهندسة ذات خبرة وممارسة.
وأحب الحاج خيري أن يجربها، فأوكل إليها بناء فيلا لثري من زبائنه، هو شحاتة عبد الموجود. وهو ذو ثراء واسع لدرجة أنه رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب وأنفق أموالا طائلة، إلا أن المرشح المنافس كان أكثر ثراء، وكان النجاح من نصيب الأكثر ثراء وإنفاقا. كان شحاتة مرشحا عن العمال وقد تعرف عليه الحاج خيري أثناء المعركة الانتخابية. ولهذا لم يكن غريبا أن يقصد شحاتة إلى خيري ليبني له فيلا من طابقين ليزوج فيها ابنيه. ولم ير خيري بأسا أن يكلف مبروكة برسم هذه الفيلا. وهكذا تعرفت مبروكة بشحاتة وتبينت مقدار ثرائه، وعرفت أن له ثماني قطع من الأرض في أعظم أحياء القاهرة وأفخمها، وعلمت أن القطع تتراوح بين الألفي المتر والثلاثة الآلاف.
وقد بذلت جهدا عظيما في تجميل الفيلا التي رسمتها، حتى لقد أبدى شحاتة إعجابه بها وقدم إليها ألفي جنيه هدية خاصة من عنده بعيدة عن الشركة، وطلب إليها أن تشرف هي على بناء الفيلا، إلا أن مبروكة قالت: لن يسمح لي الحاج خيري بهذا. - سأعطيك مبلغا كبيرا مقابل هذا الإشراف. - أنا أتمنى، ولكن المهندسين المشرفين في الشركة غير المهندسين الرسامين. - ولكني أريدك أنت بالذات. - قل هذا للحاج خيري، ربما يقبل. - مؤكد سيقبل. - فإذا قبل فاطلب إليه أن تخصص لي سيارة من سيارات الشركة. - وهو كذلك، ولكن أليس أبوك شريكا معه؟ - فعلا. ولكنه لا يكلمه في شيء لي مطلقا. - هذه غريبة. - ما أكثر الغرائب يا شحاتة بك. - مثل ماذا؟ - أنت مثلا إنسان غريب. - لماذا؟ - مع غناك الفاحش هذا لا أرى حولك رجال أمن، وليس لك إلا سكرتير واحد. - يا بنتي أنا أدير أعمالي بنفسي. أما رجال الأمن فعملية مظهرية لا يعرفها أمثالي من الذين عملوا غناهم بأيديهم، لا بآبائهم وأجدادهم. - إذا فرضنا أنك آمن في سيارتك، ألا تمشي؟ - على العكس أنا أمشي ساعة في اليوم. - متى وأنت مشغول طول النهار؟ - أنا أنام بعد الغداء من الساعة الخامسة إلى السادسة، ثم تجدينني أمشي في الشارع. - وحدك. - وحدي ... ابناي كل منهما له حياته الخاصة. - ربنا يحميك. - تأكدي أنني سأصمم على خيري أن يجعلك تشرفين على بناء الفيلا. - ولا تنس السيارة. - طبعا لن أنسى السيارة، وبها سائق أيضا. - لا، لا داعي للسائق فقد تعلمت قيادة السيارات على سيارات زملائي في الكلية. - ولماذا لم يشتر لك أبوك سيارة؟ - يا شحاتة بك أنا كانت تطلع عيني ليدفع لي ثمن الكتب، وكان في كل مرة يقيم مناحة في البيت لأني دخلت الجامعة. الأمر الذي كلفه الكثير من المال. - وهل ظل كذلك بعد زواجك وأنت في الجامعة؟ - من يوم زواجي لم أر محفظة أبي. - أعوذ بالله. - وما خفي كان أعظم. - مثل ماذا؟ - مثل أنه يشتم أمي ويكاد يضربها إذا تبقى شيء من الأكل. ومثل أن اللحمة لا تدخل بيته إلا يوم الجمعة. - ولماذا الجمعة؟ - هذه أوامره، ولا تحاول أن تجد لها أسبابا. - وما أخبار زوجك؟ - لا، هذا شيء آخر ولكن المال في يده ليس كثيرا. - لا خلافات بينك وبين زوجك؟ - لا، إنه يفعل ما أريد. أما من ناحية الفلوس فأنا أعرف المرتب الذي يأخذه من الشركة، وأحاول ألا أجعله ينفق أكثر منه. - أنت سيدة عظيمة. - يكفيني رضاك. - توكلي على الله. - أطال الله عمرك. •••
الفصل الثاني عشر
تخرج فتحي في كلية الطب وعمل بمستشفى الشفاء، وهو مستشفى خاص. وفتحي مختلف في الملامح تماما عن أخته. حين نجد مبروكة سمراء ذات معارف قوية، فالعينان واسعتان والفم ليس كبيرا والأنف دقيق، ولا شيء من معارفها يعدو على جمالها، الأمر الوحيد الذي تتفق فيه مع فتحي هو النحافة. ولكن فتحي أبيض الوجه سوي الملامح في غير جمال ولا قبح، تعبره عيناك ولا يستوقفهما من معارفه شيء خاص، فهو رجل عادي مثل الملايين من الناس.
نامعلوم صفحہ