وقف جابر عند خمس من المقولات، هي: الجوهر والكم والكيف والزمان والمكان، وقف عندها وقفات قصارا ليشرح مفاهيمها؛ لأنه يراها شروطا لا مندوحة عن توافرها لكي يتكون في العالم شيء ما، ثم استطرد بعد ذلك ليقول إن هذه المقولات لا تنطبق على درجة سواء في كل حالة من الحالات ، بل يمكن تصورها على خمس صور من التركيب:
19 (1)
أن تكون كيفية الشيء مناسبة لكميته، وأن يكون جوهره قد حمل ما حمله من الصفات في دفعة واحدة؛ فلا زيادة قد طرأت عليه بعد ذلك ولا نقصان، وأن يكون زمان حدوثه معادلا لمكانه ... فإذا توافرت في شيء هذه الشروط، فما أقل ما يكون انحلاله وفساده، فهو لا يبلى ولا يزيله شيء، حتى يهلكه بارئه؛ ذلك لأنه إذا توافرت هذه الشروط في شيء ما، كان الشيء طبيعيا في تكوينه، وليس مصنوعا؛ وفرق كبير بين الشيء يصنعه الخالق عز وجل، وبينه إذ يجيء من صنعة الإنسان؛ فالشيء على صنعة الله يكون متكافئ الكم والكيف، متعادل الزمان والمكان، حاملا لصفاته كلها في غير اعتساف ولا تصنع. قل هذا في النبات وفي الأحجار وفي الحيوان على حد سواء. (2)
أن تكون كيفية الشيء مخالفة مباينة لكميته، وأن تكون الصفات التي يحملها جوهره قد جاءته على دفعات، فأخذ يزداد صفة بعد صفة على مر الزمن، وأن يكون بين زمانه ومكانه تنافر ... وفي مثل هذه الحالة يكون الشيء معرضا للفساد والتغير والتحول من لون إلى لون ومن مقدار إلى مقدار؛ ذلك لأن الشيء المركب على هذا النحو المتنافر يكون مصيره إلى انحلال، سواء كان نباتا أو حجرا أو حيوانا؛ فالتنافر في الكائن الحي - مثلا - معناه العلة والمرض، وبالتالي قصر العمر؛ وقد تدب فيه العلة وهو بعد جنين، أو تدب فيه في مرحلة تالية من العمر، حسب نوع التنافر الذي يكون بين عناصر تكوينه. (3)
أن تكون كيفية الشيء مناسبة لكميته، وأن تكون الطبائع المحمولة على جوهره قد حملت عليه دفعة واحدة، أي أنه يكون طبيعيا في طريقة تكوينه وصفاته، لكن زمان حدوثه يجيء غير متسق مع مكان حدوثه ... في مثل هذه الحالة يكون عدم الصلاحية كائنا في الزمان أو في المكان؛ فإن كان في الزمان صار الكائن قلقا غير مستقر؛ لأنه ليس في زمانه المناسب، وإن كان في المكان وجب أن يغير مكانه إلى مكان أنسب لطبيعته. إنه لا جدوى في أن يكون الشيء سليم التكوين في ذاته، ثم يوضع في جو لا يلائمه أو يوضع في زمان لا يناسبه. (4)
أن تكون كمية الشيء مخالفة لكيفيته، إلا أن جوهره قد حمل طبائعه دفعة واحدة، وجاء زمانه موافقا لمكانه ... في مثل هذه الحالة يكون التكوين من حيث الخصائص والزمان والمكان لا عيب فيه، لكن العيب إنما يكون في حجم الشيء أو في مقداره بالنسبة لتلك الكيفيات، فعندئذ لا نستطيع أن نحدد له حدودا معينة معلومة؛ كأمساخ الحيوان تزيد في الحجم أو تنقص بنسبة يتعذر ضبطها. (5)
أن تكون كمية الشيء مخالفة لكيفيته، وأن يكون جوهره قد حمل طبائعه على دفعات متتالية على مر الزمن، غير أن زمان حدوثه يجيء موافقا لمكان حدوثه ... في هذه الحالة يكون الشيء مصطنعا متكلفا مرقعا ملفقا؛ لأن طبائعه ستزاد له طبعا بعد طبع على غير ما يلزم بالضرورة عن حقيقة جوهره؛ فلا يجدي أن يكون متناسب المكان والزمان؛ إذ إن تركيبه باطل وفساده محقق.
شكل 1
هذه خمس صور من التركيب (انظر شكل
1 )، يذكرها جابر على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، ليبين متى يكون تركيب الشيء كاملا ومتى يكون ناقصا، وأين تكون أوجه النقص؛ ومن أهم ما نراه هنا جديرا بالاهتمام تفرقته بين المطبوع والمصنوع، ولو لم تكن هذه التفرقة قد وردت في ذكر صريح، لكنها تستنتج استنتاجا قريبا من أقواله السابقة.
نامعلوم صفحہ