يذكر «جابر» هذين المذهبين في مصدر العلم؛ المذهب القائل بأن العلم لدني ينبع من الفطرة، والمذهب القائل إن العلم آت كله من الخارج بالتحصيل والتلقين، ثم يضيف إليهما مذهبا ثالثا يقع بين بين؛ وذلك أن يكون في نفس المتعلم استعداد للتلقي، ثم تجيء العوامل الخارجية فتستخدم ذلك الاستعداد الفطري؛ فالفطرة ليست «علما» ولكنها «تهيؤ» لقبول العلم، وإذن فلا بد في الأمر من داخل وخارج معا؛ وهذا هو بعينه ما يقوله القائلون بضرورة الوراثة والبيئة معا في عملية التربية إلا أن جابرا يستخدم لغة أخرى غير هذه اللغة، فيعبر عن الحقيقة نفسها بقوله: «إن [العلم] لا يكون بالبديهة، ولا بالتعليم من الصغر، بل يكون على البديهة.»
11 - فهو يقول عن العلم إنه «بالبديهة» في الحالة التي يكون فيها موروثا بالطبع، ثم يقول عنه إنه «على البديهة» حين لا يكون الموروث بالطبع إلا استعدادا فقط، وعلى هذا الاستعداد تأتي المؤثرات من خارج، وإن جابرا ليختار من هذه المذاهب الثلاثة مذهبا، وهو هذا الذي يجمع بين الاستعداد والتلقين، مؤكدا أن: «النفس لا تكون عالمة أولا بالضرورة.»
12
أي أنها محال عليها أن تولد مزودة بالعلم كاملا، لكنها مستعدة للتقبل بطبيعتها، فهي: «قادرة فاعلة جاهلة.»
13
أول الأمر، ثم تراض بعد ذلك بفضل قدرتها وفاعليتها، فيتحول الجهل علما.
لكن ما مصدر التلقين عند «جابر»؟ من ذا الذي كشف له عن الحقائق فتلقفها وتمثلها بفطرته القابلة القادرة؟ ها هنا نجده يصرح في أكثر من موضع بأن مصدر علمه هو النبي وهو علي وهو سيده «جعفر الصادق» وما بين هؤلاء جميعا من أبناء الأسرة الشريفة، فهو يقول: «تأخذ [من كتبي] علم النبي وعلي وسيدي وما بينهم من الأولاد، منقولا نقلا مما كان وهو كائن وما يكون من بعد إلى أن تقوم الساعة.»
14
وفي موضع آخر يقول: «فو الله ما لي في هذه الكتب إلا تأليفها، والباقي علم النبي
صلى الله عليه وسلم .»
نامعلوم صفحہ