177

Issues in Which the Messenger of Allah Contradicted the People of Ignorance

مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية

اصناف

ما جاء عن الأئمة الأربعة في شدة تمسكهم بالسنة
إن الكثير من الناس اليوم قلدوا المذاهب على جهل، وارتبطوا بقول الشافعي أو أبي حنيفة أو مالك وليس هذا انتقاص منهم، فلابد أن نجل هذه المذاهب وأصحابها؛ لأن الله جل في علاه يقول: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:١١٥]، ولكن كل عالم من هؤلاء الأعلام قال: فخذوا بقول رسول الله ﷺ واضربوا بقولي عرض الحائط.
وقد قال الشافعي ﵀: أجمعت الأمة على أن من استبانت له سنة النبي ﷺ ليس له أن يدعها لقول أحد كائنًا من كان.
وكان مالك ﵁ وأرضاه من شدة تعظيمه للنبي ﷺ يمشي في المدينة حافيًا احترامًا وتقديرًا لصاحب القبر، ثم يقول: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر.
فـ الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد أصلوا لمذاهبهم، فجاء الأصحاب يأخذون بتأصيلهم، ولكن المقلدة الذين لا يعقلون عن الله ولا عن رسوله ﷺ، بل ولا عن أئمتهم شيئًا قدموا أقوال الأئمة على أقوال رسول الله ﷺ، فـ مالك ﵀ لشدة تحريه وتمسكه بسنة النبي ﷺ ما كان يفتي إلا بقال الله قال رسول الله، وإذا غابت عنه سنة قال: لا أعلم، ولذلك جاءه رجل ضرب أكباد الإبل من المغرب إلى المدينة ليسأل عن مسألة فقال: ليس لي فيها سنة ائتني بعد أيام، فأتاه بعد أيام ثم فقال ما تبين لي فيها شيء، فقال الرجل: ضربت أكباد الإبل لأسأل مالكًا أعلم أهل المدينة، ويقول لي: لا أعلم فيها شيئًا، فقال: ارجع إلى من بعثك فقل له ذلك، فرجع إلى المغرب وقال لهم ما قاله الإمام مالك، فانتحل أهل المغرب مذهب مالك؛ لتعظيمه سنة النبي ﷺ.
وجاءه رجل وقال: سأحرم من قبل ذي الحليفة -أي: قبل الميقات- فقال له: لا تفعل، قال: ولم؟ قال: يا بني! كيف تفعل أمرًا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ يا بني! إني أخشى عليك أن ترى أنك فعلت أمرًا قد قصر عنه رسول الله ﷺ فتكون عليك فتنة، قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:٦٣].
وكان الإمام الشافعي جالسًا مع بعض أصحابه فدخل رجل فسأله فقال أحد تلامذة الإمام الشافعي: هذه المسألة سئل فيها رسول الله وقال فيها كذا، فقال الرجل وكان من الجهلة: يا شافعي! أتقول بقول هذا الرجل؟ وهذا من الجهل، فإن كثيرًا من الناس لا يسمع إلا للمشهورين مع أنهم قد يخالفون حديث النبي ﷺ، وقد جاء في السنن بسند صحيح قال النبي ﷺ: (لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد هدي، ومن أشير إليه بالبنان فلا تعدوه)، وفي هذه العصور نرى تطبيقًا لما قاله النبي ﷺ.
قال له الشافعي ﵀: وما لي لا أقول بقول رسول الله ﷺ، أرأيتني خرجت من كنيسة؟! أرأيت في وسطي زنارًا؟! وفي هذا تأسيس وتأصيل للطلبة وللمستفتي أن المسألة قال الله قال رسوله، لا يمكن أن تتقدم بين يدي رسول الله ﷺ.
وأيضًا فإن أبا حنيفة الذي يقال عنه: إنه صاحب الرأي والقياس، وإنه يلقي بالأحاديث خلفه، كان من أشد الناس تحريًا للسنة، لكنه كان يعيش في زمان كثر فيه الوضاعون والكذابون فما كان يأخذ منهم الأحاديث، ولا يثق بهم، فلهذا كان يقيس، لكن إذا استبانت السنة عض عليها بالنواجذ، ولذلك كان يقول: بأن الرجل إذا نكح في الحج صح نكاحه، ويستند إلى ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس ﵁ وأرضاه أنه قال: (تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو محرم)، ولكن ذلك كان وهمًا من ابن عباس ﵁، كما قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، ما تزوج النبي ﷺ ميمونة إلا وهو حلال، لكن هذا دليل على أن أبا حنيفة كان يتمسك بسنة النبي ﷺ، ويقدمها على أقوال الآخرين.
وأحمد بن حنبل ﵀ كان يقول: لا تأخذوا عني ولا عن الثوري، وخذوا من حيث أخذنا، يعني: من رسول الله ﷺ.
وقد نقل عنه بالتواتر أنه قال: الحديث الضعيف أولى عندي من القياس.
تأويل ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: كان في عرف المتقدمين أن الحديث ينقسم إلى قسمين: صحيح وضعيف، والضعيف يأتي فيه ما هو محتج به وما ليس بمحتج به، والمحتج به هو الذي ارتقى إلى درجة الحسن وهو ما بين الصحيح والضعيف، والغير محتج به هو الضعيف إذًا: معنى قول الإمام أحمد بن حنبل أن الحديث الحسن الذي فيه راوٍ خفيف الضبط هو الذي يقدمه على القياس، فكان يأخذ بقول النبي ﷺ، ثم بقول الصحابة، ثم بقول الشافعي إن لم يجد، أو يأخذ بالقياس في أضيق الأحوال.
إن أصحاب المذاهب رفعوا الأئمة إلى أعظم المكانات لكنهم لم يقلدوهم كما قلدهم الكثير من الناس، فالإمام مالك ﵀ كان يرى المسح في السفر دون الحضر، لكن أصبغ وهو من أتباع الإمام مالك قال: وقد ثبتت سنة النبي ﷺ بالمسح في الحضر والسفر، وهي أحب إلينا من قول مالك.
فأصحاب مالك وهم الذين يدونون مذهب مالك وينصرونه، عندما يسمعون قول النبي ﷺ لا يقدمون عليه قول أحد، وهذه هي وصية مالك حيث قال: (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، يعني: قبر النبي ﷺ.
وذكر ابن العربي المالكي أن مالكًا قال: لا صلاة على الغائب، وأنها خاصة بالنبي ﷺ، فقال ابن العربي المالكي ﵀: وقال مالك ذلك والسنة أحب إلينا؛ إذ الأصل عدم الخصوصية، فقد عمل بها النبي ﷺ فلتعمل بها الأمة، والدليل على ذلك أن الله تعالى يقول: ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق:١]، فالخطاب للنبي هو خطاب للأمة بأسرها، وعمل النبي ﷺ عمل للأمة بأسرها.
وأيضًا فقد كان مالك ﵀ لا يرى التتريب في غسل الإناء من ولوغ الكلب، فقال القرافي: لا يرى مالك التتريب، والسنة أحب إلينا من قول مالك.
ويقول الإمام الشافعي ﵀: إذا قلت قولًا خالف قول رسول الله ﷺ فاضربوا بقولي عرض الحائط، ثم قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
ولذلك جمع البيهقي كتابًا كاملًا سماه معرفة السنن والآثار، يقول فيه: وهذا مذهب الشافعي، مع أن ذلك لم يقله الشافعي لا في كتابه الأم ولا في غيره، وليس ذلك لا في الجديد ولا في القديم، ومع ذلك ينسبه البيهقي إلى الشافعي ويقول: علق الشافعي الحكم على صحة الحديث وقد صح الحديث، وهو (أن النبي ﷺ قبل إحدى نسائه وذهب للصلاة من غير وضوء) ومذهب الشافعي أن لمس المرأة بشهوة أو بغير شهوة ينقض الوضوء.
ثم قيل له: حديث عروة (أن النبي ﷺ قبل بعض نسائه وذهب وصلى ولم يتوضأ)، فقال الشافعي: إن صح الحديث أقول به، فقال البيهقي: وقد صح الحديث فهو مذهب للشافعي.
وأيضًا كان الشافعي يرى في قول الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة:٢٣٨] أن الصلاة الوسطى هي: الفجر، وأتى بأدلة على ذلك، قال الماوردي: إن الشافعي قال إذا ثبت الحديث فهو مذهبي، وقد ثبت الحديث في البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال: (حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، فالصلاة الوسطى في مذهب الشافعي هي صلاة العصر تمسكًا بسنة النبي ﷺ.
وقد عرف عن النووي أنه لا يمكن أن يخرج عن مذهب الشافعية قيد أنملة إلا إذا جره الدليل القوي، وفي شرح مسلم قال: واختلف العلماء في الوضوء من لحم الإبل على أقوال: فقال الشافعي والجمهور: إنه لا وضوء مما مست النار سواء كان لحم إبل أو غنم، قال: والحجة في الدليل، والدليل مع من يقول بالوضوء من أكل لحوم الإبل.
فخرج عن الشافعية وذهب إلى ما ذهب إليه الحنابلة؛ لأن الحديث هو مذهب كل مسلم.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول الفقيه إن هذه الصفة والسمة التي كان يتصف بها أهل الجاهلية وهي زعمهم محبة الله جل في علاه ولا يبرهنون على هذا الزعم قد فشت فينا، فزعمنا حب الله وتركنا سنة النبي ﷺ، فبرهان هذا الزعم أن نعض على سنة النبي ﷺ بالنواجذ، وكذلك سنة أصحابه الكرام الأماجد.

16 / 8