من قريش وكنانة وبني أسد وهذيل ومن جاورهم من خزاعة أهل شظف ومواطن غير ذات زرع ولا ضرع، بعيدين من أرياف الشام والعراق، ومعادن الأدم والحبوب، أما العرب الذين كانوا بالتلول وفي معادن الخصب للمراعي والعيش، فهم حمير وكهلان من مثل لخم وجذام وغسان وطي وقضاعة وإياد. قال ابن خلدون: ولم تكن أمة من الأمم أسغب عيشا من مضر لما كانوا بالحجاز في أرض غير ذات زرع ولا ضرع، وكانوا ممنوعين من الأرياف وحبوبها لبعدها واختصاصها بمن وليها من ربيعة واليمن، فلم يكونوا يتطاولون إلى خصبها، ولقد كانوا كثيرا ما يأكلون العقارب والخنافس ويفخرون بأكل العلهز، وهو وبر الإبل، يمهونه بالحجارة في الدم ويطبخونه، وقريبا من هذا كانت حال قريش في مطاعمهم ومساكنهم.
وكانت للعرب قبيل الإسلام مجالس أدب وطرب فيها شيء من حياة المدن ورفاهية البشر؛ ولا سيما في مدنهم الكبرى كمكة ويثرب، وكان الحكم بن العاص أبو مروان بن الحكم، وقيس الفهري أبو الضحاك بن قيس، ومعمر بن عثمان جد عمر بن عبيد الله بن معمر يضربون بالعود، وكان النضر بن الحرث بن كلدة يضرب بالعود، وتعلم العلوم القديمة واطلع على علوم الفلسفة والطب وهو ابن خالة النبي، وكان والده الحرث بن كلدة يضرب بالعود، تعلم ذلك بفارس واليمن،
50
قال المسعودي: إنه تعلم الغناء من الحيرة وكذلك ضرب العود، فقدم مكة وعلم أهلها فاتخذوا القينات، وتعلم الطب بفارس في الجاهلية وقبل الإسلام. وكان النبي يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته، وكيف يضرب هؤلاء بالعود إن لم تكن لقومهم رفاهية أو شبهها، والموسيقى لا تكون إلا في أمة استكملت الحاجيات فتطلعت إلى الكماليات، وكان عبد الله بن سعيد بن العاص يكتب في الجاهلية وأمره الرسول أن يعلم الكتاب بالمدينة، وروى ابن أبي الدنيا أنه كان يعلم الحكمة بالمدينة، واشتهرت العرب بسيوفها المشرفية ورماحها السمهرية، وسهامها التي تصيب فتصمي، وعرفوا كثيرا من آلة القتال كالدبابات والضبور
51
ونحوها، وعرفوا البرود اليمانية المشهورة وتطريق المعادن وصنع الحديد وما إلى ذلك من الصنائع، وكانت اليمن في هذا المعنى أعلى كعبا من الحجاز، وأسباب المدنية في الأولى موفورة أكثر من الثانية، فكانت الطبقة الممتازة من الحجازيين تجارا ومثلها من اليمانيين تجارا وصناعا.
حكومات العرب في الجاهلية
كان من دأب العرب «أن يقتل
52
بعضهم بعضا ويغير بعضهم على بعض»، ويرجعون مع هذا في حكومتهم إلى رؤساء قبائلهم وعشائرهم في كثير من تراتيبهم، وكلهم يحكمون في أمورهم ومنافراتهم ومواشيهم ومياههم أهل الشرف والصدق والأمانة والرياسة والسن والمجد والتجربة منهم، وكان عمرو بن لحي ذا سلطان على عرب الجاهلية وكان قوله وفعله
نامعلوم صفحہ