5
بالعربية مع اليهود والحبش والكلدان والأشوريين والفينيقيين؛ إذ كان عهد هذه اللغات قريبا بالتشعب فلم يكونوا يحتاجون إلى لغة أخرى للتفاهم مع تلك الأمم، بل كانت العربية تكفيهم في التخاطب، وليس بينها وبين اللغات الأخرى كبير فرق، وإن كان فكالفرق بين اللغتين النروجية والسويدية، أو بين الصربية والبلغارية، أو بين البرتقالية والإسبانية، أو بين العربية الفصحى وإحدى اللهجات المتعارفة اليوم.
وأهم ما حفظ بلاد العرب من اكتساح غيرها لها من الأمم في غابر الدهر، كون العرب أهل شدة وبأس، وأباة ضيم لا ينامون على الثأر، ويصبرون على شظف العيش ويتبلغون بميسوره، وليست الرفاهية من شأن أكثر المعمور من أرضهم؛ ولذلك خاب الفرس والرومان والفراعنة والحبشة يوم حاولوا أن يستولوا على اليمن والحجاز وما إليهما، مقدرين أن جزيرة العرب لا تساوي اكتساحها، وأن من الصعب إجراء الأحكام على أهلها؛ لبعد المسافات في فلوات لا أول لها ولا آخر. قال جويدي:
6
إن الرومان فتحوا جميع العالم المعروف، وحاولوا على عهد الإمبراطور أغسطس أن يستولوا على بلاد العرب، ففتحوا مأرب عاصمة سبأ، ثم ردوا عنها خائبين، وقال: إن أدينة الذي كان معروفا عند الرومان باسم أداناتوس
Adenatus
ويعد من أمبراطرتهم هو عربي الأصل وكذلك وهبة اللات، وقد نشأ من بلاد أخرجت أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص من قواد الإسلام العظام الذين قضوا على مملكة الساسانيين، وعلى جزء من مملكة بيزنطية.
العرب والتجارة
وأهم عوامل المدنية في جزيرة العرب كون أهلها عرفوا في كل العصور معاناة التجارة؛ ينقلون حاصلات الشرق إلى الغرب، وحاصلات الغرب إلى الشرق، وحاصلات بلادهم من مكان إلى آخر، واشتهروا بذلك حتى قال الجغرافي استرابون وكان بعد المسيح بقليل: كل عربي سمسار أو تاجر، ومن أجل هذا كانت معرفة العرب بالأقطار المجاورة لا غبار عليها، وكثيرا ما كانوا يقتنون الأملاك والضياع وينزلون البلاد المجاورة، يساكنون أهلها كأن تلك البلاد أجزاء متممة لبلادهم، على اختلاف بينهم وبين ساكنيها في الطبائع والألسن، وكانت
7
نامعلوم صفحہ