وقال جيبون: «جاءت الشريعة المحمدية عامة في أحكامها يخضع لها أعظم ملك وأقل صعلوك، فهي شريعة حيكت بأحكم منوال شرعي وليس لها مثيل في العالمين.» وقال ليودوروش: «إن الإسلام دين إنساني طبيعي اقتصادي أدبي، ولم أذكر شيئا من قوانيننا الوضعية إلا وجدته مشروعا فيه، بل إنني عدت إلى الشريعة التي يسميها جول سيمون «الشريعة الطبيعية»، فوجدتها كلها أخذت عن الإسلام، ثم بحثت عن تأثير هذا الدين في نفوس المسلمين، فوجدته قد ملأها شجاعة وشهامة ووداعة وجمالا وكرما، بل وجدت هذه النفوس على مثال ما يحلم به الفلاسفة من حب الخير والرحمة والمعروف، في عالم لا يعرف الشر واللهو والكذب، فالمسلم ساذج لا يظن بأحد سوءا، ولا يستحل محرما في طلب الرزق؛ ولذلك كان أقل مالا من اليهود ومن بعض النصارى.» قال: «ولقد وجدت فيه حل المسألتين الاجتماعيتين اللتين تشغلان العالم طرا: الأولى؛ في قول القرآن:
إنما المؤمنون إخوة
فهذا أجمل مبادئ الاشتراكية، والثانية: فرض الزكاة على كل ذي مال، وتخويل الفقراء حق أخذها غصبا، إن امتنع الأغنياء عن دفعها طوعا، وهذا دواء الفوضوية.» وقال ماسينيون:
18 «يمتاز الإسلام بأنه يمثل فكرة مساواة صحيحة بمساهمة كل فرد من أفراد الشعب بالعشر في موارد الجماعة، والإسلام يبذل التبادل غير المقيد، كما يناوئ بالعداء الأموال المصرفية (الربا)، والقروض الحكومية والضرائب غير المباشرة على ضروريات الحياة، في حين أنه شديد التمسك بحقوق الوالد والزوج والملكية ورءوس الأموال التجارية، فهو بذلك يقف موقفا وسطا بين البورجوازية الرأسمالية والشيوعية البلشفية، وللإسلام ماض بديع من تعاون الشعوب وتفاهمها، وليس من مجتمع آخر له مثل ما للإسلام ماض كله النجاح في جمع كلمة مثل هذه الشعوب الكثيرة المتباينة على بساط المساواة في الحقوق والواجبات، ولقد برهنت الطوائف الإسلامية الكبرى في إفريقية والهند والهند الشرقية، والجماعات الصغيرة منهم في الصين واليابان على أن الإسلام يستطيع أن يوفق بين العناصر التي لا سبيل إلى التوفيق بينها.» وقال أحدهم
19
في الزكاة: «وكانت هذه الضريبة فرضا دينيا يتحتم على الجميع أداؤه، وفضلا عن هذه الصفة الدينية، فالزكاة نظام اجتماعي عام، ومصدر تدخر به الدولة المحمدية ما تمد به الفقراء وتعينهم، وذلك على طريقة نظامية قويمة، لا استبدادية تحكمية ولا عرضية طارئة، وهذا النظام البديع كان الإسلام أول من وضع أساسه في تاريخ البشرية عامة»، «فضريبة الزكاة التي كانت تجبر طبقات الملاك والتجار والأغنياء على دفعها لتصرفها الدولة على المعوزين والعاجزين من أفرادها، هدمت السياج الذي كان يفصل بين جماعات الدولة الواحدة، ووحدت الأمة في دائرة اجتماعية عادلة، وبذلك برهن هذا النظام الإسلامي على أنه لا يقوم على أسس الأثرة البغيضة.»
هذا، وقد رأينا بعض السفسطائيين ممن لا شأن لهم إلا المغالطة يدعون أن الإسلام لم يأت بجديد في الأديان، وأنه اقتبس من النصرانية واليهودية، وكيف يأتي دين الفطرة بجديد وهو يبتعد عن التعقيد فيما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، فإذا أمر بالعدل والإحسان وأمرت بذلك الأديان الأخرى كيف يتأتى أن يقال: إنه اقتبس ذلك من غيره، وهل من سبيل إلى أن يحدث الدين الجديد شيئا يقال له: عدل أو إحسان، ويكون عدلا أو إحسانا لا عهد به للناس، وهل يؤول العدل على معنيين: فيكون فيه العدل القديم والعدل الجديد، بل إن بعض الشعوبيين من الغربيين يدعون أن الإسلام أخذ حتى فقهه عن قانون يوستنيانوس الروماني، ومعلوم أن الفقه الإسلامي مأخوذ من الكتاب والسنة والإجماع والقياس بما لا يقبل الرد، وممن قال بهذا الرأي جولدصهير المجري
20
قال: إن العرب أخذوا من الفقه الروماني، وبنى قوله على الحدس والتخمين؛ ذلك لأن العرب كانوا في الفتح، كما زعم، على حالة ابتدائية وكلهم أميون، فوجدوا في العراق والشام فقها ، وفي إدارتها الخاصة فقها فأخذوه وتمثلوه، هذا رأي جولدصهير ولم يأت عليه بدليل، بل دليله الاستنتاج العقلي الخاص، وقد قابل سعيد الخوري
21
نامعلوم صفحہ