وسبقوا إلى معرفة مرض النوم وسموه النوام وشرحوا أعراضه، وسبق العرب إلى معرفة الطباعة، فألف أبو بكر القدسي الأندلسي كتابا في الخواص وصنعة الأمدة وآلة الطبع غريب في معناه،
12
وكان عبد الرحمن بن بدر من وزراء الناصر ومن أهل المائة الرابعة «ينفرد بالولايات فتكتب السجلات في داره ثم يبعثها للطبع فتطبع وتخرج إليه فتبعث في العمال وينفذون على يديه.» أي إن الأندلسيين عرفوا الطبع لا بالحروف قبل مخترعه المشهور جوتنبرغ الألماني بأربعمائة سنة، ولو اطرد سير العرب في الطباعة لأتقنوها، ولكان فضل هذه المدنية على العالم أضعافا مضاعفة، ولما فقدت على الأقل معظم الأسفار التي خطتها أيدي العرب في العلوم المختلفة التي كانت تضمها خزائن الأندلس ودور الحكمة في بغداد.
قال جوتيه: «وللعرب في باب الاختراعات شيء لا بأس به بالنسبة لعصورهم، وقد وجد في كتاب عربي قديم لم ينقل إلى اللغات الأوربية، أن العرب عرفوا طريقة عمل الجليد الصناعي ولم تعرف أوروبا سر هذه الصناعة إلا في النصف الأول من القرن السادس عشر، وأدخلوا على أوروبا الورق المعمول من القطن والورق الرخيص الثمن، وكان الناس من قبل يكتبون على البردي وهو غال جدا، وكانت معامل شاطبة في إسبانيا تصدر بضاعة الورق إلى أوروبا الغربية، بينا كانت أوروبا الشرقية تبتاع ورقها من بلاد الشرق الأدنى مباشرة، على ما يشهد لذلك اسم الورق الدمشقي «شارتا داما سينا». وصنع الورق
13
من الحرير في سنة 650م في سمرقند وبخارى، ثم استبدل يوسف بن عمرو سنة 706م الحرير بالقطن ومنه الورق الدمشقي الذي ذكره مؤرخو اليونان.»
وقال جوتيه أيضا: إن العرب علمونا صنع الكتاب وصنع البارود وعمل إبرة السفينة، فعلينا أن نفكر ماذا كانت نهضتنا لو لم يكن من ورائها هذه المخلفات التي وصلتنا من المدنية العربية، عرفت العرب آلة الظل والمرايا المحرقة بالدوائر والمرايا المحرقة بالمقطوع، وقطعوا شوطا كبيرا في الميكانيكيات، ولما بعث الرشيد العباسي إلى شارلمان الساعة الدقاقة الكبيرة تعجب منها أهل ديوانه ولم يستطيعوا أن يعرفوا كيفية تركيب آلاتها على ما حقق ذلك سيديليو، ومع ذلك لم يكن في عصر العباسيين أهم من مهنة الفلاحة، أظهر العرب بمهارتهم مزايا فواكه الفرس وأزهار إقليم مازندران؛ وقد أغنوا
14
العلم ولا سيما علم النبات بمسائل جديدة كثيرة، ومعظم المستحضرات والأدوية المستعملة كالأشربة والدهون والمراهم والغول (الألكحول) واللعوق والسنامكي والراوند والخيار شنبر وجوز القيء هم الذين كشفوها، واستلزمت أصول تداويهم أن يعمدوا إلى استعمال الفتائل وإلى الحجامة في أمراض الصرع، واستعمال الماء البارد في الحمى الدائمة، واتخذ جراحوهم تفتيت حصاة المثانة وقدح العين واستخرجوا منها الجريم العدسي الشفاف ويظهر أنهم عرفوا البنج.
وفي التاريخ العام، وكل هذا المجد في الطب العربي إن لم يبد لنا بأنهم كانوا فيه أرباب نظريات دقيقة، فهم على الأقل أرباب ملاحظة عاقلة، وأرباب تجارب حاذقة، وأطباء عمل على غاية من المهارة. وكان الرازي وابن جابر أول من وضع أساس الكيمياء الحديثة، وحاولا كشف الإكسير الذي يهب الحياة ويعيد الشباب، وكانا يذهبان إلى معرفة حجر الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى الذهب، ولم تذهب هذه الأبحاث الوهمية سدى؛ لأنهم عرفوا بها التقطير والتصعيد والتجميد والحل، وكشفوا الغول من المواد السكرية والنشوية الخاثرة.
نامعلوم صفحہ