44
حتى صار منهم التراجمة الحاذقون الذين ينقلون مباشرة إلى العربية، وساعدهم دخول كثير من الفرس والروم في الإسلام، والمسلمون يعنون بعلوم الدين واللغة، وما يخدم الدين من علوم اللسان. وأي فضل أعظم من فضل العرب على العلوم التي لم يعرفوها أن يقدم مثل خالد بن يزيد الأموي وينفق النفقات العظيمة على ترجمة كتب العلم، ثم يجيء بعده عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد، ويأتي بعدهم عدة خلفاء من العباسيين ينفقون عن سعة على ترجمة الكتب، ولا سيما المنصور والرشيد والمأمون، بل إن أفرادا منهم مثل أولاد موسى بن شاكر
45
كانوا ينفقون من مالهم الخاص على ترجمة الكتب، ما لا تكاد دولة من دول الغرب اليوم تنفقه على جميع فروع معارفها.
عناية العرب بالشعر والنثر
هذا ما كان من أمر النقل في العلوم، أما الآداب فكان العرب فيها سادة البلاغة في الجاهلية والإسلام، وشعرهم الجاهلي والإسلامي سواء في بلاغته وفصاحته، لا ينظم إلا بالمناسبات ويكفي في بيان تأثير الشعر في العقول أن الرسول كان «ينصب لحسان بن ثابت منبرا في المسجد يقوم عليه ينافح عن الرسول.» ومئات من الصحابة كانوا شعراء مجيدين، وكان لهم في الجاهلية من الدقة في الموضوعات التي خاضوا عبابها ما كان، وزاد شعرهم في الإسلام رقة خصوصا بعد تمام الفتوح، وغشيان شعراء العرب الأمراء والخلفاء في مصر والشام والعراق وغيرها، وكان الأمويون يفضلون كثيرا على الشعراء، ومنهم النصارى أمثال الأخطل ونابغة بني شيبان، قال عمر بن الخطاب:
46 «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه»، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب وتشاغلوا بالجهاد، وغزوا فارس والروم ولهيت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر فلم يئلوا
47
إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، فألفوا ذلك، وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم منه أكثره، وقد كان عند النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول، وما مدح به هو وأهل بيته، فصار ذلك إلى بني مروان أو ما صار منه. ا.ه.
هذا ما كان من الشعر، أما النثر فأخذ يرتقي في الإسلام، ونبغ في العرب خطباء عظماء أمثال زياد والحجاج وعتبة بن أبي سفيان وتلك الطبقة العالية من خطباء الخوارج،
نامعلوم صفحہ