فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وابرئي منهن ففعلت.» وسيرة ابن الخطاب في الزهد مشهورة مأثورة حتى إنه لما قدم الشام لقيته الجنود وعليه إزار في وسطه وعمامة، وقد خلع نعليه وهو يخوض الماء آخذا بزمام راحلته، وخفاه تحت إبطه، فقالوا: يا أمير المؤمنين الآن يلقاك الأمراء بطارقة الروم وأنت هكذا، فقال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره، وهكذا كانت خلافة الأربعة الراشدين أشبه بالرتب الدينية من الرتب الدنيوية
26
في جميع الأشياء؛ كان أحدهم يلبس الثوب من الكرباس
27
الغليظ، وفي رجله نعلان من ليف وحمائل سيف ليف، ويمشي في الأسواق كبعض الرعية، وإذا كلم أدنى الرعية أسمعه أغلظ من كلامه، وكانوا يعدون هذا من الدين الذي بعث به النبي.
مبدأ الحضارة والتوسع في الإنفاق وثروة الأمويين
على أن الخليفة الثالث بدأ بإخراج البلاد من خشونة البداوة إلى حظيرة الحضارة، وبنى سبع دور فخمة لبناته وزوجاته في المدينة، وغير عمارة مسجد الرسول وكان سقفه
28
على عهد صاحب الرسالة من الجريد، وعمده من خشب النخل، وأرضه مفروشة بالحصا، فبناه عثمان بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه ساجا وزاد فيه، وكان ذلك في المحرم سنة ثلاثين. أما الخليفة الثاني فإنه بكى لما قدم عليه خمس الأسلاب من فارس وقد نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فوالله إن هذا لموطن شكر؟ فقال عمر: والله ما ذلك يبكيني، وبالله ما أعطى هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا ، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله بأسهم بينهم.
ولقد كثر الخراج على عهد عثمان وأتاه المال من النواحي، فاتخذ له الخزائن العظيمة في المدينة، وكان يقسم بين الناس فيأمر للرجل بمائة ألف درهم، وقالوا: إنه كان لعثمان بن عفان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وخمسون ومائة ألف دينار، وترك ألف بعير بالربدة، وترك صدقات كان تصدق بها قيمة مائتي ألف دينار.
نامعلوم صفحہ