قلنا: (والذي يدل على أنا لا نراه أنا لو رأيناه الآن لكان معلوما بطريق المشاهدة، ومعلوم ضرورة أنا لا نشاهده الآن، فثبت) بذلك المذكور من دليل العقل القطعي (أن الله لا يرى بالأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، وقد) جاء السمع مؤكدا لما دل عليه العقل من نفي الرؤية حيث (قال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} )[الأنعام:103] فنفى تعالى أنه يدرك بالبصر مطلقا في كل وقت ولكل بصر؛ لأن الفعل وقع في سياق النفي المطلق، والأبصار جمع معرف بالألف واللام، وكل ذلك يوجب الاستغراق ويفيد القطع في مثله على المختار، وهذه المسألة أيضا مما يصح الاستدلال عليها بالسمع، وتشكيك الرازي ونحوه فيها لا يسمع.
قالوا: قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة}[القيامة:23] وفي الحديث: ((سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر)).
قلنا: معنى قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة}: منتظرة لرحمته إذ ذلك أحد معانيه ويوجب حمله عليه ما تقدم من الأدلة فدون ذلك يصرف عن حمل المشترك على معانيه الغير متنافية إلى أحدها، والنظر قد ورد بمعنى الانتظار كثيرا كقوله تعالى: {فناظرة بم يرجع المرسلون}[النمل: 39] أي منتظرة، وقوله تعالى حاكيا عن الأشقياء: {انظرونا نقتبس من نوركم}[الحديد:13] أي انتظرونا، وقوله تعالى: {وقولوا انظرنا}[البقرة:104] أي انتظرنا، قال الشاعر حسان بن ثابت:
إلى الرحمن باني بالخلاص ... وجوه يوم بدر ناظرات
صفحہ 50