وذهب جماعة من الآل إلى الاستدلال بالدليل المسمى دليل الموانع، وهو (أنه لو كان يرى في حال من الأحوال لوجب أن نراه الآن)، ومعلوم بالضرورة أنا لا نراه الآن كما سيأتي، وإنما قلنا: لو كان يرى في حال من الأحوال لوجب أن نراه؛ فذلك (لأن) من المعلوم قطعا أن (الحواس) التي لو أدرك المدرك لما أدرك إلا بها (سليمة) بدليل أن المدركات تدرك بها، ولو كانت سقيمة لم تدرك (والموانع مرتفعة)، وهي ثمانية: البعد، والقرب المفرطان، والرقة واللطافة، والحجاب الكثيف، وكون المرئي في خلاف جهة الرائي، وكون محله في بعض هذه الأوصاف، وعدم الضياء المناسب للعين، (وهو تعالى موجود) كما تقدم وحاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها، (وهذه الأمور) الأربعة (هي التي تصح معها رؤية المرئيات)، والخامس: أن هذه الشرائط هي التي يجب معها رؤية المرئيات، فهذه خمسة أصول، وأما أن الحواس سليمة فقد تقدم دليله، وأما ارتفاع الموانع في حقه تعالى؛ فلأنها إنما تمنع من رؤية الأجسام والألوان، وليس بجسم ولا لون تعالى عن ذلك، وأما أنه تعالى موجود فقد تقدم، وأما أن هذه الشرائط هي التي معها ترى المرئيات؛ فلأنه قد حصل المقتضي، وهو كون أحدنا حيا، وشرط الاقتضاء وهو صحة الحاسة، وزوال المانع ووجود المدرك، فيجب حصول المقتضى، وهوكون أحدنا مدركا له تعالى، ومتى قيل هو يرى، وقولكم: لم نره الآن دعوى تحتاج إلى برهان.
صفحہ 49