( والجواب ) أن نقول : اعلم يا أخي أولا أن الهجر إن لم يقصد به الإنسان بيان الحق و، وهدي الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحا ، وإذا غلظ في ذم بدعه أو معصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ، ليحذرها العباد ، كما في نصوص الوعيد وغيرها . وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان ، لا التشفي والانتقام ، كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الثلاثة الذين خلفوا لما جاء المتخلفون من الغزاة يعتذرون ويحلفون ، وكانوا يكذبون ، وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ، ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق .
إذا تحققت هذا فالهجر المشروع إنما هو في حق العصاة والمذنبين لا في حق الكافر فإن عقوبته على كفره أعظم من الهجر ، وهجر العصاة المذنبين من أهل الإسلام إنما هو على وجه التأديب فيراعى في الهجر أو الترك منا سيأتي بيانه .
وهذه المسألة قد كفانا الجواب عنها شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله روحه فقال : الهجر الشرعي نوعان أحدهما بمعنى الترك للمنكرات والثاني بمعنى العقوبة عليها فالأول هو المذكور في قوله تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } "الأنعام:68" { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم } "النساء: من الآية140" يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك بخلاف من حضر عندهم
صفحہ 20