388

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

اصناف

فقہ

وأما ثانيا: فلأنه إنما وجب استواؤهما في النقض وعدمه لدلالة شرعية، أما في النقض فلقوله عليه السلام: (( الوضوء مما خرج))(¬1) ولم يفصل، وأما في عدم النقض فلأنه عليه السلام احتجم وما زاد على غسل محاجمه ولم يعد وضوءا، فهذان مستندان لمن نقض بالخارج ولمن منع من النقض به قد استويا، فلأجل هذا قضينا بالتسوية بينهما لمكان هذه الدلالة الشرعية، بخلاف ما نحن فيه فإن الدلالة الشرعية إنما دلت على الفصل بين قليل الدم وكثيره، ولم يحصل مثل ذلك في القيء، فلهذا افترقا في ذلك، فلا جرم حكمنا على كل شيء بموجب دليله الشرعي، فلأجل هذا قضينا بمفارقة الدم للقيء في القليل، والله أعلم بالصواب.

قالوا: أشار الشرع إلى كثير القيء، بقوله: (( أو دسعة تملأ الفم))(¬2). فدل على أن ما نقص عن الدسعة فإنه في حكم القليل، كما أن ما نقص عن السفح في حق الدم، فإنه قليل، وفي ذلك ما نريده من التفرقة بين قليله وكثيره.

قلنا: عنه جوابان:

أما أولا: فلأن ما ذكره عليه السلام هاهنا، إنما ورد بيانا لحال نواقض الوضوء دون الطهارة والتنجيس، وكلامنا إنما هو فيما ينجس من القيء وما لا ينجس، فمن الجائز أن يكون غير ناقض وهو نجس، كما قاله الناصر والشافعي، ومن المحتمل أن يكون كما هو ناقض فهو نجس أيضا، كما قالته القاسمية. فالنجاسة شيء، والنقض شيء آخر، فأحدهما مخالف للآخر.

وأما ثانيا: فلأنه إنما بين حكم الدسعة، وسكت عما دونها، فليس فيه دلالة على أن ما دونها مخالف لها، اللهم إلا أن يقال: ما علق الحكم بالدسعة إلا وما دونها مخالف لحكمها فيكون هذا تعلقا بدليل الخطاب ومفهومه، وهو متمسك ضعيف المجرى في المسائل الفقهية، وقد قررنا حكمه فيما سبق فأغنى عن تكريره.

صفحہ 395