انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
اصناف
الاستدراك السابع: حكيا عن الإمام المؤيد بالله التفرقة بين الظن الغالب وبين الظن المقارب، وهو أن انتقال الشيء عن حكم أصله لا يجوز العمل فيه إلا على الظن المقارب دون الظن الغالب، وأوردا ما ذكره المؤيد بالله في المثال لذلك، وهو أن كل من غلب على ظنه نجاسة الماء فإنه ينظر في ذلك الظن، فإن كان الظن مقاربا للعلم وجب العمل به، وإن كان الظن غالبا لم يجز العمل عليه؛ لأن الماء على الطهارة فلا ينتقل عن حكم هذا الأصل إلا بما يكون من الظنون مقاربا للعلم دون غيره، وكمن غلب على ظنه أنه طلق امرأته وأعتق عبده، فإنه لا يعمل فيه إلا بالظن المقارب؛ لأن الأصل هو استقرار عقد النكاح وثبوت الرق، فلا ينتقل عنهما إلا بما يكون مقاربا دون ما كان غالبا.
والحجة على ذلك: هو أن العمل على غلبة الظن قد تقرر كونه معولا عليه في العمل على الشهادات والحكم بها، فلا وجه لدفعه وإنكاره، فإذا كان الشيء معلوم الأصل فلا يجوز الانتقال عنه إلا بما يكون مقاربا له في التحقق، وهذا إنما يكون في الظن المقارب للعلم لقوته، فلهذا وجب اشتراطه فيما يكون انتقالا عن حكم الأصل.
والمختار في ذلك: تفصيل نشير إلى أسراره، وهو عدم التفرقة في الظنون بين ما يكون منها غالبا وبين ما يكون مقاربا، والعمل عليهما على جهة الإطلاق من غير تفرقة بينهما.
والحجة على ذلك: هو أن الأدلة الشرعية التي دلت على العمل على غلبات الظنون في المواضع التي لا سبيل فيها إلى القطع بالعلم، لم تفصل بين ما يكون غالبا، وبين ما يكون مقاربا، فلا وجه للتفرقة من غير دلالة عليها.
ومن وجه آخر: وهو أنه إذا جاز العمل على الظن الغالب في باب العبادات كلها وأحوال المعاملات الدينية والدنيوية، جاز أيضا العمل عليه فيما يكون انتقالا عن حكم الأصل إجراء للظن مجرى واحدا من غير تفرقة.
ومن وجه ثالث: وهو أنه لا حقيقة للظن المقارب للعلم إلا قوة أمارته، إما بتكرر المخبرين، وإما بغير ذلك من القرائن والأسباب المقوية له، والظن الغالب لابد فيه من مزيد قوة في أمارته، فإذا كان كل واحد منهما يفتقر إلى مزيد قوة في أمارته، فيجب استواؤهما في العمل من غير خصوصية المقارب على الغالب وفي ذلك ما نريده.
قالوا: إن حكم الأصل معلوم فلا يجوز الانتقال عنه إلا بما يكون مقاربا له في التحقق والقطع، وذلك لا يكون إلا في الظن المقارب.
صفحہ 311