انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
اصناف
والعجب من الإمام الناصر حيث حمل كلام القاسم على أنه وقع فيه نجاسة ولم يرها فليس عليه في ذلك شيء، وقال: إنه كان كثير الأخذ بالاحتياط فيما تعبد الله به عباده، وهذا لا وجه له، فإن المقصود بلوغ الغاية في الاجتهاد وتوفيته حقه فما أدى إليه فهو حق وصواب سواء كان في تحليل أو تحريم أو إباحة ، ثم لا فرق بين أن يبيح شيئا مما حرمه الله أو يحرم شيئا مما أباحه الله، أو يضيق مسلكا فسحه الله علىعباده بالإباحة، أو يفسح مسلكا ضيقه الله على عباده بالتحريم، فكلها مستوية في ذلك، ثم إن الماء مخصوص من بين سائر المائعات بالتطهير لغيره كما مر بيانه، ثم يختص بأنه لا ينجسه إلا ما غير أحد أوصافه أو كلها سواء كان قليلا أو كثيرا، وهو مختص بالغلبة لكل شيء، فإذا وقع فيه شيء من النجاسات وكان غالبا لها لم يسلبه اسم الماء، فهو باق على الطهارة والتطهير لغيره، وهذه الخاصة لا تحصل في شيء من المائعات، ومن أجل هذا فإنه لو وقع في لبن أو عسل أو خل أو غيرها من المائعات كثير قطرة بول أو خمر فإنها تنجس الماء(¬1) لما لم يكن لها غلبة على النجاسة مثل غلبة الماء لها، سواء كانت متغيرة بالقطرة أو غير متغيرة، ولم تكن مختصة بما اختص به الماء من الصقالة والرقة، فلهذا لم تقدر على حمل النجاسة كقدرته على حملها.
مسألة: في الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة.
اعلم أن جميع ما أسلفنا فيه الكلام إنما هو مختص بالماء الراكد، واعلم أن كل من قال من العلماء من أئمة العترة وغيرهم من علماء الأمة، بأن القليل من الماء لا ينجس إلا بالتغير، فإنه لا يفصل بين أن يكون الماء راكدا أو جاريا، ويطرد هذا الحكم في جميع المياه راكدة كانت أو جارية، وعلى هذا إذا وقعت ميتة في نهر جار فإنه ينظر، فإن تغير فهو نجس، وإن لم يتغير فهو طاهر مطهر. وينشأ من ذلك فروع ثلاثة:
الفرع الأول: إذا وقعت قطرة من خمر أو بول في قربة أو مشعل(¬2) أو جرة نظرت، فإذا كان متغيرا بها فهو نجس، وإن لم يتغير بها فهو طاهر؛ لأن الاعتماد في هذا المذهب على تغير الماء بوقوع النجاسة وعدم تغيره لا غير من غير أمر ورائه، وإليه تشير ظواهر الأحاديث كما قررناه من قبل.
الفرع الثاني: إذا كان الماء راكدا في حفير أو بركة أو غيرهما ثم وقعت فيه ميتة نظرت أيضا، فإن كان متغيرا بها فهو نجس لأنه قد تغير بها، وإن كان غير متغير فهو طاهر كله من غير حاجة إلى مجاور أول ولا إلى مجاور ثان كما قررناه فيما سبق، فاتصالها بالماء لا يكون له حكم في التنجيس إلا مع التغير.
صفحہ 230