انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
اصناف
أما أولا: فحديث ابن عباس (( الماء لا يجنب )).
وأما ثانيا: فحديث أبي سعيد الخدري حيث قال: (( خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء )). أخرجنا ما تغير بعض أوصافه بالنجاسة أو كلها بدليل خاص غير ظاهر هذين الخبرين، فبقي ما عداها مندرجا تحت ظاهرهما فيجب القضاء بطهارته إذ لا تغير فيه.
وأما ثالثا: فلأن المجاور الثالث كالثاني والأول في عدم التغير بالنجاسة، فلو قضينا بنجاسة الأول والثاني لوجب القضاء بنجاسة الثالث وما وراءه لاشتراكها كلها في عدم تغيرها بالنجاسة؛ إذ لا فاصل هناك، فإذا لم يكن هناك مخصص وجب القضاء بطهارة الكل من المجاورات وهذا هو المقصود.
وأما ما احتج به الإمام المؤيد بالله من حديث أبي هريرة، فعنه جوابان:
أما أولا: فلأنه ليس في ظاهر الحديث ما يدل على نجاسة شيء من المجاورات بصريحه فلا تكون فيه حجة.
وأما ثانيا: فلأنه إنما ذكر الثلاث مبالغة في التنظيف كما أشار في الغسلات السبع من ولوغ الكلب والتعفير بالتراب مبالغة في التنظيف وإزالة الأثر، فكما أن الشيء لا يكون نجسا بالمجاورة فهكذا حال الغسالة الثالثة والأولى لا تكونان نجستين لما ذكرناه.
وأما ما احتج به الإمام أبو طالب. فجوابه: أن مطلق الاتصال بالنجاسة لا يوجب تنجيسه إلا بظهور أثرها فيه، فأما إذا لم يظهر أثرها عليه فلا وجه للحكم بنجاسته، فإذا لا وجه لنجاسة المجاور الأول كما ذكر بحال، ولأنه يلزم الحكم بنجاسة المجاور الثاني لاستوائهما جميعا في عدم التغير، وهو لا يقول به، فليس إلا الحكم بطهارة الماء كله من غير حاجة إلى تنجيس شيء من المجاورات.
وأما ما احتج به الشافعي، فهو مبني على أن القلتين كثير وما دونهما قليل، ومبني على أن القليل ينجس عند ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير، وسنقرر الكلام عليه في هذين الأصلين بعد هذا بمعونة الله تعالى.
مسألة: الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغير أوصافه وكان قليلا، فهل ينجس لوقوعها فيه أم لا؟ فيه مذهبان:
المذهب الأول: أنه يكون نجسا وإن لم يتغير، وهذا هو قول الأكثر من أئمة العترة، الهادي والناصر والأخوين(¬1) وغيرهم، ومحكي عن ابن عمر من الصحابة، ومن التابعين عن سعيد بن جبير(¬2)، ومجاهد (¬3) وأحمد وإسحاق بن راهويه، وهو مروي عن الفريقين: الحنفية والشافعية. والحجة على ذلك: من جهة الكتاب والسنة والقياس.
الحجة الأولى: من جهة الكتاب، قوله تعالى: {والرجز فاهجر}[المدثر:5]. وقوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث}[الأعراف:157]. وقوله تعالى: {إنما الخمر والميسر}[المائدة:90]. إلى قوله تعالى: {فاجتنبوه}. فدلت هذه الظواهر على المنع من استعمال النجاسة ووجوب تجنبها، واستعمال هذا الماء يؤدي إلى استعمال النجاسة، فوجب المنع منه.
صفحہ 216