انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
اصناف
وحكي عن الحسن بن حي (¬1): جواز التوضؤ بالخل وماء الورد ونحوه.
والحجة لهم على ما قالوه من كونها معقولة المعنى: هو أن الغرض من الطهارة التنقي عن الأدران، والنظافة عن الأوضار وإزالة الغبرات، ولا شك أن الأعضاء الظاهرة في المهن والتصرفات هي الوجه واليدان إلى المرفقين والقدمان، والإنسان في تصرفاته في مهنه وتقلباته في قضاء مآربه، يصادم الغبرات وتعلق به الأدران، فورد الشرع بغسل هذه الأعضاء على كيفيات مخصوصة وأوقات محددة مقدرة، والرأس لما كان مستورا بالعمامة غالبا، خفف الشرع وظيفته فجعلها مسحا. وقرروا هذا الاستدلال بقوله جل جلاله، في سياق آية الوضوء: {ولكن يريد ليطهركم}[المائدة:6]. فأشار بذلك إلى التوقي عن القاذورات والبعد عن مصادمة الغبرات. هذا ملخص ما قالوه في تقرير هذه المقالة.
والمختار: ما عول عليه أصحابنا والفريقان من الحنفية والشافعية: في أن طهارة الحدث لا يعقل معناها، ويدل على ذلك أن الطهارات كما أشرنا إليه، جارية على منهاج العبادات البدنية التي لا يلوح فيها معنى مخصوص ولكنها مشتملة على أمور غيبية استأثر الله تعالى بعلمها وأحاط علمه بها.
نعم.. قد يخيل منها معان كلية ومقاصد عامة تحمل على المثابرة على وظائف الخيرات ومجاذبة القلوب بذكر الله وصرف النفوس عن المطالب الدنيوية، والحض على أخذ الأهبة لدار الآخرة، وقد أشار إليه بقوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}[البقرة:222]. وقوله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}[العنكبوت:45]. فهذه أمور مفهومة ولكنها غير منحصرة في أنفسها فلا يمكن القياس، ويتعذر استنباط المعاني المختلفة التي يتقرر القياس عليها. وإذا كانت المعاني منسدة طرقها ويصعب جريها فيها بطل استعمال الأقيسة فيها فلا يلحق بها شيء، ويبطل أن يقوم مقام الماء غيره في تأدية العبادات به لانحسام مسالك القياس وجريها على مرارة التعبد، وفي ذلك بطلان ما قالوه. ويؤيد ما ذكرناه، هو أن أبا حنيفة لما لم يصف له المعنى في طهارة الحدث وافقنا في كونها غير معقولة المعنى، وأن غير الماء لا يقوم مقامه في تأديتها بخلاف طهارة النجس، فإنه قد زعم كونها معقولة المعنى، وأن الغرض القلع للآثار والتنحية لها، وهذا حاصل بما يقلع من المائعات كما أوضحناه من قبل.
صفحہ 196