191

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

اصناف

فقہ

والمختار: ما عول عليه أصحابنا والشافعي ومن وافقهم في كونها غير معقولة المعنى، ومن أجل ذلك تعين لها الماء، ولم يجز إزالتها بغيره من سائر المائعات. ويدل على ذلك أنها جارية على صرف التعبد والاحتكام، فلا تفهم فيها مخائل المعاني وطرقها منسدة فيها، فلا يضطرب فيها بالخطوات الواسعة لضيق مسلكها ودقة مجراها، وما هذا حاله فإنه يجب الجمود فيها على حكم الشرع واقتراحه، لما كان معناها غير مفهم فيجب قصر الإزالة على الماء.

الانتصار: يكون بتزييف(¬1) ما اعتمدوه.

قالوا: الغرض والمقصود هو الإزالة، فتجب إزالتها بكل قالع للأثر.

قلنا: هذا فاسد فإنا لا نسلم أن المقصود هو الإزالة، فإنه قد تجوز الصلاة مع الآثار النجسة وإن بقي أثرها بعد غسلها بالماء كما سنوضح الأمر فيه، ثم إنا وإن سلمنا أن الغرض هو الإزالة، لكن لا نسلم أنه كل المقصود، بل هو المقصود مع نوع تعبد، كما أن الغرض بالعدة هو براءة الرحم، لكن ليس كل المقصود منها. وإذا كان الأمر كما قلنا من كونها غير معقولة المعنى، وجب تعين الماء لها، وهذه هي الفائدة بكونها غير معقولة المعنى. والذي يقطع شجارهم ويحسم مادة سعيهم، أنا نقول لهم: إزالة النجاسة لا تجب لغير الصلاة، فأخبرونا عن وجه وجوبها للصلاة.

فإن قالوا: المفهوم من جهة الشرع أن المصلي مأمور بأن يأخذ في الصلاة أبهى زي وأحسن هيئة فهكذا يكون مأمورا بالتنقية من الأقذار والنجاسات أحق وأولى.

قلنا: هذا تكرير للسؤال، فلم تجب التنقية في الصلاة؟ وعنه نسأل.

فحصل من مجموع ما ذكرناه أن اشتراط إزالة النجاسة في الصلاة لا يعقل معناه، بل هو جار على صرف التعبد فهكذا حال النجاسة نفسها لا يعقل معناها. وإذا كان أمرها جاريا على ما ذكرناه من التعبد، وجب تعين الماء لها كما قررناه من قبل، لأجل إشارة ظواهر الشرع إلى قصره على الماء فلا وجه لإعادته، وإزالة النجاسة ليس من قبيل العبادات فلا تكون مفتقرة إلى النية، وتصح تأديتها ممن ليس من أهل العبادة كالكافر والصبي. وإن نوى التقرب بها كان مثابا على فعلها؛ لأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، كما جاء في الحديث، وهو رأي أصحابنا والفقهاء لا يختلفون فيه، والوجه فيه ما أشرنا إليه.

صفحہ 194