انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
اصناف
والمختار عندنا: تفصيل نشير إليه؛ إذ لا وجه للنفي أو للإثبات على الإطلاق، والحق الذي نعول عليه في القول بأن للمجتهد في المسألة قولين، هو أنه إذا نظر في المسألة فحدث له فيها قول، ثم عاود النظر فيها مرة أخرى فقال فيها بقول آخر، لكن جهل التاريخ بينهما ولم يعرف المتقدم منهما من المتأخر، فلا جرم نحكي القولين جميعا عنه من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، فهذا هو الوجه الصحيح الذي يحمل عليه قول العلماء: إن للمجتهد في المسألة قولين، وعلى هذا ينقلان للعامي المقلد له في المسألة، ويخير بينهما إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر. وإذا كان الأمر كما قلناه، وجب أن يحمل ما يحكى عن المؤيد بالله وغيره من أصحابنا من اختلاف القولين أو الأقوال، ويحمل ما يحكى عن الشافعي من اختلاف القولين أو الأقوال، فمتى عرف المتقدم منهما على المتأخر(¬1) فإنه يكون العمل عليه واجبا ويكون ناسخا له، أو يعرف الصحيح منهما من الفاسد، فيكون القول هو الصحيح دون غيره، فأما ما لا يعرف فيه التاريخ ولا يعلم صحة أحدهما من فساد الآخر، فإنه يقال فيه: إن له قولين على هذا الوجه، وأكثر أقوال الشافعي قد ميزها أصحابه، وعرفوا المتقدم منها من المتأخر، وأوضحوا الصحيح منها من الفاسد، والذي اعتاص عليهم فيها تاريخ تقدم أحدهما على الآخر هي مسائل قليلة حكاها أبو إسحاق الأسفرائيني (¬2) يرتقي عدها إلى سبع عشرة مسألة، فحكوا فيها قولين، وما عدا هذا الوجه فهو خطأ، فلا يجوز أن يقال: إن للعالم المجتهد قولين، على معنى أنه يقول إن هذا الشيء في نفسه حلال حرام على جهة الجمع بينهما؛ إذ لا يجوز أن تكون العين الواحدة حلالا حراما في وقت واحد من جهة شخص واحد، ولا يجوز أن يقال: إن له في المسألة قولين على جهة التخيير فيقول: بأن هذه العين حلال أو حرام، إذ لا وجه للقولين على هذه الصفة، ولا على أن يقال: إن المسألة محتملة لأوجه كثيرة فيبطل كل واحد منها سوى اثنين فعلى [القول] بأن له في هذه الحادثة قولين، فإن مثل هذا قد صححه أبو إسحاق الشيرازي (¬3) من أصحاب الشافعي، وزعم أن ذلك معنى صحيح في صحة حمل قول المجتهد في المسألة على وجهين وهذا فاسد أيضا، فإنه إذا كانت محتملة لما ذكره من الاحتمالات ثم بطلت كلها إلا اثنين منها، فإنه يكون شاكا فيما ورائهما، فكيف يقال بأنهما قولان له؟ فما هذا حاله يكون خطأ، فإذا لا تعويل في أن للمجتهد في المسألة قولين إلا على ما ذكرناه دون سائر الأوجه، والله أعلم بالصواب.
وهذا ما أردنا ذكره في التنبيه على ما اشتملت عليه هذه المقدمة مما لا يتسع جهله للفقيه الخالي عن علم الأصول، والله الموفق للرشاد.
صفحہ 166