انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
اصناف
الضرب الثالث: دليل الخطاب، وهو أن يكون معلقا على شيء مذكور فيدل ذلك على انتفائه عما عداه، وقد يكون الحكم معلقا إما على الصفة كقوله عليه السلام: (( في سائمة الغنم زكاة )). فدل ذلك على نفيها عن المعلوفة. وإما على العدد كقوله : (( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا )). فدل ذلك على أنه إذا كان الماء دونهما فإنه يحمل الخبث، وإما على جهة الشرط كقوله تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}[الطلاق: 6]. فدل ذلك على أن من كانت خلوا عن الولد فلا نفقة لها إذا طلقت. وبين الأصوليين نزاع فيما هذا حاله، فحكي عن أبي العباس بن سريج أن تعليق الحكم بأحد الوضعين لا يدل على انتفاء الحكم فيما عداه. وهو محكي عن أصحاب أبي حنيفة (¬4). ومن أصحاب الشافعي (¬1) من زعم: أن الحكم المعلق على الاسم دال على نفي ما عداه، والأكثر منهم على أنه غير دال.
والمختار عندنا: أن دلالة المفهوم مختلفة وأعلاها الشرط والغاية، فهذان يدلان على نفي الحكم عما عداهما وأدناه الاسم واللقب، فإنهما غير دالين على نفي الحكم عما عداهما، والمتوسط بينهما هو الصفة، فكل هذه درجات المفهوم بعضها أقوى من بعض كما أشرنا إليه، وكلها مأخوذة من مفهوم اللفظ دون لفظه وصريحه، وهذه الدرجات قد أشرنا إلى تفاوتها وحصرها في الكتب الأصولية بحمد الله.
المرتبة الثالثة: في بيان دلالة المعقول، وهو القياس في أنواعه وضروبه.
وهو تحصيل مثل حكم الشيء أو نقيضه في غير محله باعتبار تعليل غيره، فهذه الماهية جامعة لجميع أطراف القياس كله لا يشذ منها شيء، وقد أقر بكونه طريقا من طرق أحكام الشريعة، كل محصل من علماء الأمة ، وإنما يحكى الخلاف فيه عن شذوذ وطوائف من الأمة لا عبرة بهم، جمدوا على الظواهر الشرعية والنصوص النقلية، وأعرضوا عن محاسن الشريعة وأسرارها المأخوذة من القواعد القياسية، وقد رددنا مقالتهم في الكتب الأصولية وأفسدنا ما جاءوا به والحمد لله.
وجملة ما يكون معتمدا عليه في تقرير الأحكام الشرعية من الأقيسة، ضروب خمسة نفصلها ونشير إليها على جهة الإجمال:
الضرب الأول منها: قياس الطرد، وهو في لسان الأصوليين مقول على تحصيل، مثل: حكم الشيء في غيره بجامع غير مخيل ولا مشتمل على مخيل، وما هذا حاله فهل يكون معتمدا في تقرير الأحكام الشرعية أم لا؟ فأكثر أهل التحقيق من الفقهاء والأصوليين على منعه، ورده على ترك استعماله في الجدل والنظر، ومن الفقهاء من قبله، واستعمله في تقرير الأحكام الشرعية، وهذا شيء يحكى عن بعض أصحاب أبي حنيفة، ومنهم من رده في النظر واستعمله في الجدل، وهو المحكي عن أبي الحسن الكرخي (¬1).
صفحہ 144