والحقُّ أن هذا بعيدٌ عن الصواب، ولبيان ذلك لا بدَّ من تحرير أمرين، أولهما: ما كتبه شيخ الإسلام في الرد على المنطق. والثاني: لم لا يكون كتابنا أحد تلك الكتب؟
* فأما الأمر الأول، فلنأخذه عاليًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية من لفظه، ثم نثني بكلام أصحابه.
حدَّث شيخ الإسلام عن نفسه في مقدمة كتابه «الرد على المنطقيين» فقال: «أما بعد، فإني كنتُ دائمًا أعلمُ أن المنطق اليوناني لا يحتاجُ إليه الذكيُّ ولا ينتفع به البليد، ولكن كنتُ أحسبُ أن قضاياه صادقة؛ لِمَا رأيتُ مِن صدق كثيرٍ منها، ثم تبين لي فيما بعدُ خطأ طائفة من قضاياه وكتبتُ في ذلك شيئًا.
ثم لما كنتُ بالاسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظِّم المتفلسفة بالتهويل والتقليد، فذكرتُ له بعض ما يستحقه من التجهيل والتضليل، واقتضى ذلك أني كتبتُ في قعدةٍ بين الظهر والعصر من الكلام على المنطق ما علَّقته تلك الساعة، ثم تعقَّبته بعد ذلك في مجالس إلى أن تمَّ، ... فأراد بعض الناس أن يكتب ما علَّقتُه إذ ذاك من الكلام عليهم في المنطق، فأذنتُ في ذلك؛ لأنه يفتح باب معرفة الحق، وإن كان ما فُتِح من باب الردِّ عليهم يحتملُ أضعاف ما علقتُه تلك الساعة، فقلت: ...» ثم ابتدأ فصول الكتاب.
ففي هذا النص يخبر شيخُ الإسلام أنه حين تبيَّن له خطأ طائفة من قضايا المنطق كتب فيه شيئًا، وهو تعبيرٌ يدلُّ على قلة ذلك المكتوب واختصاره،
المقدمة / 16