دارس، ومعاهدها مفتوحة لكل وافد، والملوك الأيوبيون من وراء ذلك يشيدون المدارس، ويعقدون المناظرات، ويشجعون الدارسين، ويرفدون العلماء بالهبات والأعطيات. فتهيأ له من كل ذلك دراسة كاملة، ومعرفة شاملة؛ درس القرآن، وتلقى الحديث، وحذق النحو، وحفظ اللغة، ووعى التاريخ، وأحاط بقسط وافر من الفلسفة والحكمة وعلم الكلام.
ثم كانت المحاضرات التى عقدت بمجلسه فى حلب، والأحاديث التى دارت حول المعقول والمنقول فى مسائل العلوم، والتحدّث بالغرائب والطرائف. وكتبه التى عكف عليها فى داره، فاستجلى غوامضها، واستلهم أسرارها، واستقصى ما فيها استقصاء الدارس الحصيف، ونقدها نقد الصيرفىّ الخبير.
من هذه المنابع الصافية تكوّنت ثقافته، وتلاقت معارفه، وانسجمت أفكاره وخواطره، وتألفت منها تلك الكنوز التى نثر منها فى مجالسه الخاصة، وأودعها كتبه المتنوّعة.
أدبه:
وكان القفطىّ صاحب نثر وشعر؛ أما النثر فقد تخرّج فيه على أبيه، وتمرّس به فى ديوان الإنشاء، وأثر عنه كثير من الرسائل، وجرى قلمه بشىء منه فى كتاب الإنباه. وقد اعتنق طريقة القاضى الفاضل، وسار على نهجه؛ من تنميق اللفظ والاحتفال بالسجع، والقصد إلى التورية والجناس، والاستشهاد بالنظم فى أثناء المنثور؛ سواء فى ذلك رسائله الإخوانية أو الديوانية، أو ما سال به قلمه فى بعض التراجم.
ومن رسائله التى أوردها ياقوت «١»:
«وأما سؤاله عن سبب التأخر والتجمّع، والتوقّف عن التطاول فى طلب الرياسة والتوسّع، والتعجب من التزامى قعر البيت، وارتضائى بعد السبق
1 / 17