«فقال: اكتب الساعة إلى جميع النواحى برفع الجبايات ومحو اسمها، وأمر الولاة أن يعملوا بكتاب الله وسنة رسوله. ومن وجب فيه حدّ من الحدود الشرعية يقام فيه على الفور، ولا يلتمس منه شئ آخر، ومر الساعة بإراقة كل خمر فى المدينة، ورفع ضمانها، واكتب إلى جميع النواحى التى تحت حكمى بمثل ذلك، وأوعد من يخالف ذلك عقوبتنا فى الدنيا عاجلا، وعقوبة الخالق فى الآخرة آجلا». قال القفطىّ:
«فخرجت وجلست فى الديوان، وكتبت بيدى- ولم أستعن بأحد من الكتاب فى شىء من ذلك- ثلاثة عشر كتابا إلى ولاة الأطراف».
ولا تكتب بكفّك غير شىء ... يسرّك فى القيامة أن تراه
وكأنه رأى أن طول هذه المدّة قد أقصاه عن المطالعة، وصرفه عن التأليف، وحال بينه وبين الانقطاع إلى مدارس العلم، فأعفى نفسه من تكاليف السلطان، وخلع عن عنقه ربقة الإمارة، و«انقطع «١» فى داره مستريحا من معاناة الديوان، مجتمع الخاطر- على شأنه- للمطالعة والفكرة وتأليف الكتب، منقبضا عن الناس، محبا للتفرّد والخلوة، لا يكاد يظهر لمخلوق».
ولكن الملك العزيز حينما جاوز حداثته، واستقل بالملك وحده لم يلبث أن دعاه إليه، واتخذه وزيره، وألقى إليه زمام أموره؛ مطمئنا إلى نفاذ بصيرته، وأصالة رأيه. فأصفى له النصح، واجتهد فى المشورة، وتوخى مناهج الرشد، والتزم القصد والسداد.
ومات العزيز وتولى بعده ابنه الناصر «٢»، لم تجاوز سنه سبع سنوات، فاستمرّ
1 / 15