بيد أنه عندما انتبه له ابن لوكاون
4
المجيد، وهو يسير عبر السهل يدفع أمامه الكتائب في فوضى، أسرع في الحال يسدد قوسه المقوسة نحو ابن توديوس، فأحكم التصويب ورماه وهو يهجم إلى الأمام في كتفه اليمنى، على صفحة درقته، فانطلق السهم المرير خلالها لا يحيد عن طريقه حتى تلطخت الدرقة بالدماء. عندئذ صاح ابن لوكاون المجيد قائلا: «فلتنهضوا، أيها الطرواديون ذوو النفوس العالية، يا من تحثون خيولكم. لقد أصيب خير رجل بين الآخيين، وإني لأعتقد أنه لن يقوى طويلا على احتمال ذلك السهم القوي.»
هكذا تكلم مزهوا، ومع ذلك فإن «ديوميديس» لم يصرعه السهم السريع، ولكنه انسحب إلى الوراء، ووقف أمام خيوله وعربته، وقال لسينيلوس، ابن كابانيوس: «هيا، يا ابن كابانيوس الطيب، انزل من العربة، كي يمكنك أن تخرج من كتفي هذا السهم الفظيع.»
وإذ ذاك وثب سثينيلوس من عربته إلى الأرض، ووقف إلى جواره، وجذب السهم المغروس في كتفه فتدفق الدم على الحلة المثناة. وعندئذ تضرع ديوميديس، البارع في صيحة الحرب، قائلا: «استمعي إلي، يا ابنة زوس حامل الترس،
5
يا دائمة اليقظة دون كلل ولا ملل! لو حدث أنك وقفت، بنية حسنة، إلى جانب أبي وسط معمعة القتال، فاشفقي علي أيضا يا «أثينا». قدري لي أن أقتل هذا الرجل، واجعليه يأتي في مدى مرمى رمحي، ذلك الرجل الذي ضربني ولم أكن منتبها له وهو يفخر علي، ويعلن أنني لن أرى ضوء الشمس الساطع مدة طويلة.»
هكذا قال في تضرعه، وسمعته الربة «أثينا» فجعلت أطرافه خفيفة، ورفعت قدميه ويديه، ثم اقتربت منه وتحدثت إليه بكلمات مجنحة قائلة: «كن شجاعا الآن يا ديوميديس، كي تقاتل الطرواديين؛ لأنني وضعت في صدرك قوة أبيك، تلك القوة التي لا تقهر، كتلك القوة التي كان يتمناها الفارس «توديوس»، حامل الترس. وفضلا عن هذا، فقد رفعت الغمامة من على عينيك، تلك التي كانت عليهما من قبل، حتى يصبح في مقدورك أن تبصر جيدا، على السواء، الآلهة والبشر، وعلى ذلك فإذا جاء إلى هنا أي إله ليجربك، فحذار، بأية حال من الأحوال، أن تقاتل أي إله من الآلهة الخالدين، وجها لوجه، إلا إذا دخلت المعركة الربة «أفروديت»، ابنة زوس، فعندئذ اضربها بطعنة من رمحك البرونزي الحاد.»
وما إن نطقت الربة أثينا البراقة العينين بهذا القول، حتى انصرفت. فعاد ابن توديوس، واختلط من جديد بمحاربي الصفوف الأولى. وبالرغم من أن قلبه كان يتوق من قبل إلى مقاتلة الطرواديين، فقد استولى عليه الآن حماس يوازي ثلاثة أضعاف ما كان يتولاه من قبل. حماس كالذي يعتري أسدا جرحه راع يحرس خرافه الكثة الفراء، وهو يقفز فوق سور حظيرة الخراف، ولكنه لم ينهزم، بل استثيرت قوته، فهو لا يقوم بأي دفاع، وإنما يتسلل وسط مباني المزرعة، فيدب الهرج والمرج بين القطيع غير المحروس، وتجتمع الخراف جماعات، كل قطيع بجانب الآخر، ولكن الأسد الثائر يقفز من فوق الحظيرة العالية. وهكذا، بمثل هذه الثورة هجم ديوميديس القوي على الطرواديين، ثم قتل بعد ذلك كلا من «إستونوس» و«هوبايرون»، راعيي الجيش؛ إذ ضرب أحدهما فوق ثديه بطعنة من رمحه المطعم بالبرونز، بينما هوى على الآخر بحسامه العظيم فوق عظم الترقوة من جانب الكتف ففصل الكتف عن العنق وعن الظهر. ثم ترك هذين ومضى في طريقه يقتفي أثر «أباس» و«بولودوس»، ابني العجوز «يوروداماس» مفسر الأحلام، فلم يعودا بعد ذلك ليفسر لهما أبوهما العجوز الأحلام، بل قتلهما ديوميديس المغوار، ثم استمر يتعقب «كسانثوس» و«ثوون»، ابني «فاينويس» المحبوبين، وقد هدت الشيخوخة المؤلمة قوى أبيهما، فلم ينجب ولدا آخر يتولى رعاية ممتلكاته. قتلهما ديوميديس هناك وسلبهما الحياة الغالية، وخلف لأبيهما البكاء والحزن الممض؛ إذ لم يعيشا له ليرحب بعودتهما، فاقتسم أقرب أقربائه الممتلكات فيما بينهم!
وبعد ذلك انبرى «ديوميديس لولدي بريام بن داردانوس»: «أيخيمون» و«خروميوس»، وكانا في عربة واحدة. وكما يثب الهزبر وسط الأبقار ويكسر عنق عجل أو بقرة وهي ترعى في مرج الغابة، هكذا أيضا طعن ابن توديوس هذين بوحشية، فأوقعهما من عربتهما على الرغم منهما، ثم جردهما من حلتيهما الحربيتين، وأعطى الخيول لرفقائه ليسوقوها إلى السفن.
نامعلوم صفحہ