وبتان أمه عظيمة القدر في الأمم ظاهرة الذكر في الآفاق فخمة الملوك عند جميع الأقاليم منهم الإسكندر بن فيلبس الماقدوني المعروف بذي القرنين الذي غزا دارا بن دارا ملك الفرس في عقر داره فاستلبه ملكه بعد إهلاكه وتخطاه إلى المشرق من الهند والصين فجرى له من الاستيلاء على تلك الجهات ما شهدت به التواريخ. ثم ملك بعد الإسكندر البطالمة وربما قيل البطالسة ودان لهم الملك وذلت لهم الرقاب واستمروا واحدا بعد واحد إلى أن ملكتهم الروم فتنقرض ملكهم من الأرض وانتظمت مملكتهم مع مملكة الروم فصارت مملكة واحدة مثل مملكة الفرس والبابليين وكانت بلاد يونان في الربع الغربي الشمالي من الأرض فحدها من جهة الجنوب البحر الرومي والثغور الشامية والثغور الجزرية ومن جهة الشمال بلاد اللان وما حاذاها من ممالك الشمال ومن جهة المغرب تخوك بلاد اليمانية التي قاعدتها مدينة رومية من جهة المشرق تخوم بلاد أرمينية وباب الأبواب والخليج المعترض ما بين بحر الروم وبحر نيطس الشمال يتوسط بلاد اليونانيين ولغة اليونانيين تسنى الإغريقية وهي من أوسع اللغات وأجلها وكانت عامة اليونانيين صابئة معظمة للكواكب دائنة بعبادة الأصنام وعلماءهم يسمون الفلاسفة وأحدهم فيلسوف وهو اسم معناه باللغة اليونانية محب الحكمة واليونانيين أحد الأمم الثمان الذين عوا بالعلم واستنباطه وهم الهند والفرس والكلدانيون واليونانيون والروم وأهل مصر والعرب والعبرانيون وهذه الأمم المذكورة هم الذي اعتنوا بالعلوم واستخراجها وباقي الأمم لم تعن بشيء من ذلك ولا ظهر لها شيء منه حالها كحال البهائم تأكل وتشرب وتنكح لا غير.
وكان دعاء أفلاطون يلووحاتيني بالروح الأعلى تضرعي إلى العلة التي أنت معلولة من جهتها لتتضرع عني إلى العقل الفعال في صحة مزاجي ما دمت في عالم التركيب.
أرسطوطاليس بن نيقوماخس الفيثاغوري الجهراشني وتفسير أرسطوطاليس تام الفضيلة وكان أرسطوطاليس تلميذ أفلاطون المتصدر بعده بعهده في الموضعين اللذين تقدم بهما أصحابه ولازم أفلاطون ليتعلم منه مدة عشرين سنة وكان أفلاطون يؤثره على سائر تلاميذه ويسميه العقل وإلى أرسطوطاليس انتهت فلسفة اليونانيين وهو خاتمة حكماءهم وسيد علماءهم وهو أول من خلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة للعلوم النظرية حتى لقب بصناعة المنطق وله في جميع العلوم الفلسفية كتب شريفة كلية وجزئية فالجزئية رسائله التي يتعلم منها معنى واحد فقط والكلية بعضها تذاكير يتذكر بقراءتها ما قد علم من علمه وهي السبعون كتابا التي وضعها لأوفارس وبعضها تعاليم يتعلم منها ثلاثة أشياء أحدها علوم الفلسفة والثاني أعمال الفلسفة والثالث الآلة المستعملة في علم الفلسفة وغيره من العلوم فالكتب التي في علوم الفلسفة بعضها في العلوم التعليمية وبعضها في العلوم الطبيعية وبعضها في العلوم الإلهية وأما الكتب التي في العلوم التعليمية لكتابه في المناظر وكتابه في الخطوط وكتابه في الحيل وأما الكتب التي في العلوم الطبيعية فمنها ما يتعلم منه الأمور التي تخص كل واحد من الطبائع ومنها ما يتعلم منه الأمور التي تعم جميع الطبائع فالتي يتعلم منها الأمور التي تعم جميع الطبائع هي كتابه المسمى بسمع الكيان فهذا الكتاب يعرف بعدد المبادئ لجميع الأشياء والني هي كالمبادئ وبالأشياء التوالي للمبادئ المشاكلة للتوالي وأما المبادئ فالعنصر والصورة وأما التي هي كالمبادئ فليست مبادئ بالحقيقة بل بالتقريب كالعدم وأما التوالي فالزمان والمكان وأما المشاكلة للتوالي فالخلاء وما لا نهاية له وعلى هذا الترتيب تترتب كتبه كلها لمن ينعم النظر فيها ولما لم يكن التاريخ محل ذكر ذلك أضربت عن ذكر ترتيبها إذ هو شرط تأليف آخر يمنع من سطرها جهل المعاصرين وبلادة الشركاء في الطلب والله المستعان.
صفحہ 17