وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة اتصل بالمقتدر أن رجلا من الأطباء غلط على رجل فمات فأمر بإبطيحة محتسبه بمنع جميع الأطباء إلا من امتحنه سنان وكتب له رقعة بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة وأمر سنانا بامتحانهم وان يطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه من الصناعة وبلغ عددهم في الجانبين من بغداد ثمانمائة ونيفا وستين رجلا سوى من استغنى عن امتحانه باشتهاره بالتقدم في الصناعة وسوى من كان في خدمة السلطان ومن ظريف ما جرى في امتحان الأطباء أنه أحضر إلى سنان رجل مليح البزة والهيئة ذو هيبة ووقار فأكرمه سنان على موجب منظره ورفعه وصار إذا جرى أمر التفت إليه ولم يزل كذلك حتى انقضى شغله في ذلك اليوم ثم التفت إليه سنان فقال قد اشتهيت أن أسمع من الشيخ شيئا أحفظ عنه وأن يذكر شيخه في الصناعة فأخرج الشيخ من كمه قرطاسا فيه دنانير صالحة ووضعها بين يدي سنان وقال ما أحسن أن أكتب ولا أقرأ ولا قرأت شيئا جملة ولي عيال ومعاشي دار دائرة وأسألك أن لا تقطعه عني فضحك سنان وقال على شريطة أنك لا تهجم علي مريض لما لم تعلم ولا تشير بفصد ولا بدواء مسهل إلا لما قرب من الأمراض قالا الشيخ هذا مذهبي مذ كنت وأحضر إليه غلام شاب حسن البزة مليح الوجه ذكي فنظر إليه سنان وقال له علي من قرأت قال علي أبي قال ومن أبوك قال الشيخ الذي كان عندك بالأمس قال نعم الشيخ وأنت مذهبه قال نعم قال لا تتجاوزه وانصرف مصاحبا. ومن أخباره أنه لما مات الراضي استدعي بجكم سنانا وكان بواسط العراق وسأله الانحدار إليه ولم يتمكن من الطلوع في ذلك قبل موت الراضي لملازمة سنان بخدمته فانحدر إليه وأكرمه ووصله وقال له أريد أن أعتمد عليك في تدبيري وتفقد جسمي والنظر إلى مصالحه وفي أمر أخلاقي لثقتي بعقلك وفضلك ودينك ومروءتك فقد غلبني الغضب وغمني ذلك حتى أنني أخرج إلى ما أندم عليه عند سكوته من ضرب أو قتل وأسألك أن تتفقد عيوبي وتصدقني فيها وترشدني إلى علاجها لتزول عني فقال سنان إنما بحيث يأمر الأمير ولكن أنك أيها الأمير قد أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين وإنك مالك لكل ما تريده قادر عليه أي وقت أردته ولا يمكن لأحد منعك والغضب والغيظ يحدثان سكرا أشد من سكر النبيذ وكما أن الإنسان يفعل في سكره ما لا يقوله ولا يذكره إذا صحا ويندم عليه إذا حدث به استحياء كذلك يحدث له ي سكر الغضب والغيظ بل اشد فإذا بدأ بك الغضب وحسست به فضع في نفسك قبل أن يشتد ويقوى ويخرج الأمر من يدك أن تؤخر العقوبة إلى غد واثقا بأم ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله في غد وقد قيل من لم يخف فوتا حلم فإنك إذا فعلت ذلك ذهب السكر وتمكنت من العقل والرأي الصحيح وقد قيل أصح ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله واستقبل نهاره فإذا صحوت من سكرك الغضبى فتأمل الذي أغضبك ولا تشف غضبك بما يؤتمك فقد قيل ما شفى غيظه من إثم بذنبه واذكر قدرة الله عليك وإنك محتاج إلى عفوه ورحمته وخاصة في أوقات الشدائد واذكر دائما قوله تعالى وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم وقوله تعالى وإن تعفوا أقرب للتقوى فإن أوجبت الحال العفو فاعف وإن أوجبت العقوبة كان الأمر إليك ولا تتجاوز قدر العقوبة في الذنب فيذهب ويقبح في الناس ذكرك وإذا أخذت نفسك بهذه مرة وثانية وثالثة صارت بعد ذلك سجية لك وعادة فاستحسن بحكم ذلك منه ولم يزل يصلح أخلاقه شيئا فشيئا حتى صلحت واستقامت واستطابت فعل الخير ودفع الظلم والجور وبأن له أن العدل أربح للسلطان فعمل بواسط وقت المجاعة دار ضيافة وببغداد مارستانا وأكرم سنانا غاية الإكرام وعظمة نهاية التعظيم. وكانت منزلة سنان كبيرة عند المراء والوزراء فمن ذلك أن الوزير علي بن عيسى بن الجراح وقع إليه في سنة كثرت فيها الأمراض والوباء توقيعا نسخته فكبرت مد الله في عمرك في أمر من في الحبوس وانهم لا يخلون مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض وهم معوقين من التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء في أمراضهم فينبغي أكرمك الله أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم ويحملون معهم الأدوية والأشربة وما يحتاجون إليه من المزورات وتتقدم إليهم بأن يدخلوا سائر الحبوس ويعالجوا من فيها من المرضى ويريحوا عالمهم فيما يصفونه لهم إن شاء الله تعالى ففعل سنان ذلك ثم وقع إليه توقيعا آخر فكرت فيمن بالسواد من أهله وأنه لا يخلو من أن يكون فيه مرضى لا يشرف متطبب عليهم لخلو السواد من الأطباء فتقدم مد الله في عمرك بإنفاذ متطببين وخزانة من الأدوية والأشربة يطوفون في السواد ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة إلى مقامهم ويعالجون من فيه ثم ينقلون إلى غيره ففعل سنان ذلك وانتهى أصحاب إلى سورا والغالب على أهلها اليهود فكنب سنان إلى الوزير علي بن عيسى يعرفه ورود كتب أصحابه عليه من السواد بأن اكثر من بسورا ونهر ملك يهود وانهم استأذنوا في المقام عليهم وعلاجهم أو الانصراف عنهم إلى غيرهم وأنه لا يعلم بما يجيبهم به إذ كان لا يعرف رأيه في أهل الذمة وأعلمه أن الرسم في بيمارستان الحضرة قد جرى للملي والذمي فوقع الوزير توقيعا نسخته فهمت ما كتبت به أكرمك الله وليس بيننا خلاف في أن معالجه أهل الذمة والبهائم صواب ولكن الذي يجيب تقديمه والعمل به معالجة الناس قبل البهائم والمسلمين قبل أهل الذمة فإذا فضل عن المسلمين ما لا يحتاجون إليه صرف في الطبقة التي بعدهم فاعمل أكرمك الله على ذلك واكتب إلى أصحابك به ووصى بالتنقل في القرى والمواضع التي فيها الوباء الكثيرة الأمراض الفاشية وإن لم يجدوا بذرقة توقفوا عن المسير حتى يصح لهم الطريق ويصلح السبيل فإنهم إذا فعلوا هذا وفقوا إن شاء الله تعالى.
وفي سنة ست وثلاثمائة أشار سنان بن ثابت هذا على المقتدر بأن يتخذ بيمارستان ينسب إليه فأمره باتخاذه فاتخذه له في باب الشام وسماه البيمارستان المقتدري وأنفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار.
وفي أول محرم سنة ست وثلاثمائة فتح سنان بن ثابت بيمارستان السيدة الذي اتخذه لها بسوق يحيى وجلس فيه ورتب المتطببين وكانت النفقة عليه في كل شهر ست مائة دينار على يدي يوسف بن يحيى المنجم لأن سنانا لم يدخل يده في شيء من نفقات البيمارستان.
ولسنان تصانيف جيدة وكان قويا في علم الهيئة وله في ذلك أشياء ظاهرة تغني عن الإطالة بذكرها ومن تصانيفه ما نقل من خط المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابي.
رسالة في تاريخ ملوك السرياني. رسالة في الاستواء. رسالة إلى بجكم. رسالة إلى ابن رائق. رسالة إلى علي بن عيسى الوزير. الرسائل السلطانيات والإخوانيات. رسالة في النجوم. رسالة في شرح مذهب الصابئين. رسالة في قسمة أيام الجمعة على الكواكب السبعة كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي ورجل آخر. رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر. رسالة في أخبار آبائه وأجداده.
ونقل إلى العربي نواميس هرمس والسور والصلوات التي يصلي بها الصابئون.
إصلاحه لكتاب أفلاطون في الأصول الهندسية وزاد في هذا الكتاب شيئا كثيرا.
مقالة أنفذها إلى عضد الدولة في الأشكال ذوات الخطوط المستقيمة متى تقع في الدائرة وعليها استخراجه للشيء الكثير من المسائل الهندسية. إصلاحه لعبارة أبي سهل الكوهي في جميع كتبه وكان أبو سهل سأله ذلك. إصلاحه وتهذيبه لما نقله من كتاب يوسف القس من السرياني إلى العربي من كتاب أرشيميدس في المثلثات.
صفحہ 86