وأوپرا خفيفة (Light Opera) ، فتشمل الأولى أنواع الدرامة والمأساة الملحنة الغنائية، وتشمل الثانية الأوپرا الخيالية الرومانتيكية والأوپرا المجونية، وكلما قل فيها الكلام والنثر تجوز الأساتذة المدرسيون في قبولها بهذا القسم المتفرع عن الأوپرا الكبرى، ولا بد في كل من القسمين من مراعاة وحدة التأليف والتناسب بين الموسيقى والغناء، وتجنب التفكك والعناية العظمى بالإخراج الفني وبموضوع التأليف، وإلا خرجت القصة عن دائرة الأوپرا الحقيقية سواء أصلا أو تجوزا، وانتقلت إلى شبيهات الأوپرا التي لا تمت لها بصلة وافية: كالمضحكات الموسيقية (Musical comedies)
التي لا يعنى فيها بموضوع القصص، وكالروايات الموسيقية العامة (Musical Plays)
التي لا يحفل فيها بالغناء ما يحفل بالموسيقى، وكالهزليات الرقصية (Dance Comedies)
التي ينال فيها الرقص العناية الكبرى، وكالاستعراضات (Revues)
التي هي خليط مفكك من كل شيء! ويجب أن لا ننسى عندما نعنى بتمييز أوپرا من الأوپرات أن أحدث أنواع التقسيم للأوپرا الخفيفة الخيالية أو الرومانتيكية يشترط أن تكون خالية الموضوع من المأساة. •••
هذا الاستعراض لا بد منه تذكيرا للقارئ حتى يشترك معنا في الحكم بأن الأوپرا (إحسان) تابعة للتقسيم الأصيل، وأنها من نوع الأوپرا الكبرى، بغض النظر عن حجمها الصغير؛ لأن الحجم لا شأن له بالتقسيم وإنما روح القصة ومادتها وصياغتها هي التي ترشد إلى ذلك: فالقصة مأساة بالمعنى الصادق، وكلها منظومة بروح شعرية ومشترط فيها أن تمثل غناء، وكلها وحدة متصلة الأجزاء أتم اتصال، وبذلك تستوفي الشروط الأساسية المطلوبة في الأوپرا الكبرى التي أعتقد أننا أحوج ما نكون إليها في مصر من الوجهة الفنية التهذيبية.
موضوع القصة
أما عن موضوع القصة فتاريخي وعصري معا، ذو مسحة وطنية ومسحة خلقية أيضا، وذو صبغة سياسية وهي الدعوة إلى «الاتحاد النيلي» الذي كثيرا ما أشرت إليه نثرا ونظما منذ سنين عن عقيدة من يؤمن بأن خير مصر ومستقبل نهضتها ليس إلا في اتحادها بالقطرين الشقيقين وهما الحبشة والسودان؛ أي في اتحاد ممالك حوض النيل، ولا رجاء لوطن الفراعنة في العزلة أو في الطموح إلى تبعية السودان له تبعية السيادة القهرية أو الاسمية الوقتية، وإنما كل الرجاء في تعاون هذه الشعوب الأفريقية الثلاثة تعاون الإخاء الصادق والارتباط الودي كتعاون إنجلترا وأسكوتلندا وويلز، بل كتعاون الممالك المستقلة التي تؤلف الإمبراطورية البريطانية دون أن تفقد شخصياتها.
وكان في وسعي بدل ذلك أن أؤلف أوپرا عن توت-عنخ-آمون أو عن كليوباترة، وموضوع كليهما أصبح مبتذلا، وليس الأول بأعظم من (أخناتون فرعون مصر) الذي هو موضوع إحدى الأوپرات المقبلة لي، كما أن كليوباترة ليست بموضوع فخرنا القومي، وإذا كان الإنجليز لم يفخروا بل لم يعنوا باللادي هاملتون (Lady Hamilton)
معشوقة أميرالهم العظيم نلسون، فما أجدرنا نحن بتجنب سيرة ملكة فاجرة هدمت المملكة المصرية بخلاعتها وضعفها الخلقي، وكانت معشوقة يوليوس قيصر ومارك أنطوان، فقصتنا إذن ترمي إلى أغراض شريفة متنوعة تتفق كل الاتفاق ومذهب الأوپرا الكبرى، وتغالي في الحرص على حرمة التأليف حتى لا يكون مظهرا ضعيفا لعبث الغناء والموسيقى.
نامعلوم صفحہ