وبعد هذه المقدمة فلننظر في وسائل الإصلاح ولندرسها بإنصاف وإخلاص:
التأليف
إذا شئنا أن تكون لنا أوپرا مصرية صميمة، فأول ما يجب علينا أن نعنى به التأليف. وخير لنا أن نعترف بأننا نحكم على أنفسنا بالبلادة والجمود إذا كان كل مجهودنا في التأليف النقل أو الاقتباس عن الغربيين. ولا أنكر أن النقل أو الاقتباس لا يخلو من فوائد، خصوصا إذا كان مصحوبا باقتباس موسيقي أمين، ولكن هذا لا يجدي نهضة التأليف المنشودة. وهذه مصر غنية بتاريخها وقصصها القديمة، ولديها في كل ذلك ثروة لا تفنى؛ ليستمد منها مؤلفو الأوپرات موضوعاتها، ولو لم تكن لدينا «مادة» تاريخية لكفتنا قصص (ألف ليلة وليلة)، للتأليف الخيالي أو الرومانتيكي على الأقل، ومنها استمد الأوروبيون أكثر من أوپرا. فلا عذر لنا في النقل عنهم إلا إذا شئنا الانتفاع بالموسيقى الأوروبية، وإلا فلدينا في تاريخ مصر قديما وحديثا، وفي قصص البردي وفي حكاياتنا الوطنية غنية وافية للمؤلف الجريء الذي يعرف واجباته القومية نحو الأدب والمسرح معا ولا يتشدق بحب الفن للفن دون أن يفهم من فلسفة الفن، ولا من فلسفة الحياة ولا من حق الوطن عليه شيئا.
هذا عن الموضوع، وأما عن لغة التأليف فالمفروض في الأوپرا أنها تمثل الفن بأرقى صوره؛ ولهذا لا يكفي أن تكون لغتها مهذبة بل لا بد أن يتجلى فيها الشعر الراقي السليم. نحن لا ننتصر للغة التقعر، وكذلك لا ننتصر للغة الابتذال ولا للعامية المجردة، وإنما نحب الاعتدال. وحسبنا أنه من الميسور جدا التأليف - سواء نظما أو نثرا - بلغة صحيحة سهلة لن يشق على العامة فهمها ولن يأباها الخاصة: كذلك كان معظم ما أنشأه فقيدا الأدب والمسرح المرحومان نجيب الحداد وطانيوس عبده. بيد أن هذا لا يعني أننا نطعن في استعمال اللغة العامية على المسرح في مواقف درامية أو مجونية معينة (وقد نجح في هذا النوع من الصياغة الأستاذ أنطون بزبك المحامي صاحب «عاصفة في بيت» و«الذبائح»)، ولسنا من يقف دون صقل الألفاظ العامية عند الحاجة والاقتباس منها «وتطعيم» اللغة الفصحى بها، ولكننا في الوقت ذاته نعتقد أن المؤلف القدير يستطيع أن يكسو روايته بلباس من الأسلوب السهل الجميل الذي لا يسيء إلى اللغة، كما لا يسيء إلى المدارك رغم تباين طبقات السامعين، ونرى أنه من الواجب أن تكون لغة الأوپرا من السمو بمكان وأن يكون نسقها النظم ولن يرضينا - مهما سمت المعاني والتلحين - أن يساء إلى اللغة بمثل هذا الشعر الذي نقتطفه من رواية (شهرزاد):
أنا إن سالت دموعي
ولا هبت نار ضلوعي
كل ده طالب رجوعي
تاني للبر الجميل!
طول ما نهر (النيل) بيجري
أنا لا أنذل عمري
نامعلوم صفحہ