الذين من قبلهم وكذا الحال في معاملة العامة حتى أنه لا يطلق اسم الخليفة على من يعيد صبيان المكتب ورؤسهم إليه إلا إذا استخلفه معلم الصبيان ولهذا روى أنه لما جاء أعرابي وقال لأبي بكر أنت خليفة رسول الله أنطق الله لسانه بالحق حتى قال لا قال فما أنت قال أنا الخالفة بعده والخالفة هو الذي لا غناه عنده ولا خير فيه وكذا الخالف وقيل هو الكثير الخلاف كذا قال صاحب النهاية في تفسير الأثر فتدبر وبالجملة إذا استخلف واحد رجلا أو اجتمع على استخلافه جماعة لم يعهد أن يصير ذلك الرجل المستخلف خليفة حاكما عليهم وهل هذا إلا مثل أن يشتري واحد عبدا فإذا اشتراه صار مولاه والمشتري عبدا له ويدل على تخليطهم في ذلك أيضا ما رواه ابن حجر في صواعقه من أن أبا بكر كان يكتب من أبي بكر خليفة رسول الله (ص) فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله (ص) فقال عمر هذا يطول إلى آخر الرواية ووجه التخليط أنه لو لم يعتبر في إطلاق الخليفة تعيين السابق له كما ذكرنا بل كان يطلق على كل من يخلف غيره لما احتيج إلى أن يقولوا لعمر أنه خليفة خليفة رسول الله (ص) كما لا يخفى ومن لطايف هذا المقام استدلال بعض مفسري الإمامية من ههنا على أن أمر الخلافة يتعلق بالله تعالى وباختياره وبالنص منه وليس لغيره الخيرة في ذلك فإن الله تعالى كلما ذكر أمر الخلافة في كتابه الكريم أضافه إلى نفسه وأشار إلى كونه من عنده كما عرفت والحاصل أن مضمون الآيات التي ذكرناها قبيل ذلك رد على القايلين بأن الخلافة يثبت باختيار الناس بل باختيار رجل واحد منهم كما مر من تمثيل صاحب المواقف لذلك بثبوت خلافة أبي بكر باختيار عمر إن قيل أن الخلافة الواقعة باختيار الأمة راجعة إلى الخلافة من الله تعالى لأن الكل واقع بقضاءه وقدره قلنا الكلام في فعل الفاعل اللغوي وهو من له الفعل في الظاهر فإنه المعنى الحقيقي للفظ اتفاق وأما فاعليته بالمعنى الذي ذهب إليه المجبرة فهو مجاز اتفاقا والمصير إليه خلاف الأصل وأيضا البناء على رأي المجبرة مع ما عرفت انهدامه سابقا يستلزم أن لا يحصل الفرق بين خلافة الثلاثة وخلافة يزيد والوليد المستهدف للمصحف المجيد بل وكل جبار عنيد وهذا نقص وهو أن ليس عليه مزيد وأما ما ذكره الناصب من أن عليا (ع) خاطب أبي بكر في أيام خلافته بخليفة رسول الله (ص) إلى آخره فمجاب بأنه (ع) كان يخاطبه بذلك لكن بالمعنى الذي ذكره الناصب وهو من يخلف غيره ويجلس مقامه بعده وهو كان بالغصب والتغليب فإنه لا نزاع في صدق الخليفة بهذا المعنى على كل من تقمص الحكومة بعد غيره وهو كان متغلبا كعبد الله بن زبير ونحوه من الأموية والعباسية لأنه لا دلالة للخليفة بهذا المعنى على قرب وفضيلة من الله تعالى ورسوله وإنما المعنى المتنازع فيه الذي يدل على الفضيلة ويتنافس فيه المتنافسون كون الشخص خليفة لله تعالى ولرسوله باستخلافهما إياه وتعيينهما له وهو المعنى العرفي الذي عرفته على أن الخطاب بخليفة رسول الله (ص) كان نادرا وإنما كان المتعارف الخطاب بأمير المؤمنين وكان علي (ع) يخاطبهم بذلك مرادا به أصل معناه التركيبي الصادق على المتغلب أيضا لا معناه العلمي الغالب على الإمام الحق النايب عن رسول الله (ص) قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه تخلف عن جيش أسامة وقد أنفذه رسول الله (ص) معه ولم يزل النبي (ص) يكرر الأمر بالخروج ويقول جهزوا جيش أسامة لعن الله المتخلف عنه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أقول كان رسول الله (ص) ببعث جيش أسامة طلبا لقصاص زيد وليبلغ خبر قوة الإسلام إلى ملوك الشام فلا يقصدوا المدينة بعد وفاته ولهذا كان يبالغ في بعث جيش أسامة وأما قوله لعن الله من تخلف عن جيش أسامة فهذا من ملحقات الروافض فلما بلغ أمر الخلافة إلى أبي بكر لم يكن ملايما لأمر الإسلام أن يذهب الخليفة بنفسه سيما وقد ارتد جميع العرب فانفذ أبو بكر جيش أسامة امتثالا لأمر النبي (ص) وهو بنفسه قام لتجهيز باقي الجيوش وقتال أهل الردة وحفظ الحوزة ومع ذلك استأذن عن أسامة ومو الأمير في التخلف فأذن له فيا معشر المسلمين من كان يعلم هذه الأحوال هل يجعل تخلف الخليفة القايم بتبعية الجيوش وجر العساكر وإقامة وظايف الدين طعنا فيه هذا وقد صح أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة وقد قال الشيخ الجزري من ادعى أن أبا بكر كان في جيش أسامة فقد أخطأ لأن النبي (ص) بعد ما أنفذ جيش أسامة قال مروا أبا بكر فليصل بالناس ولو كان مأمورا بالرواح مع أسامة لم يكن رسول الله (ص) يأمره بالصلاة بالإمامة وأقول إن أراد بقوله ولهذا كان يبالغ الخ أن ما ذكره من بلوغ خبر قوة الإسلام من جملة وجوه المبالغة فمسلم ولا يفيده لأنه لا يصير عذرا لأبي بكر وأخويه في التخلف وهو ظاهر وإن أراد أنه منحصر فيه فمع عدم كونه مفيدا لهم أيضا؟؟؟ بل كان الغرض المهم الأصلي من تنفيذ جيش أسامة وجعل الثلاثة تحت رايته بعدهم عن المدينة عند وفاة النبي (ص) لئلا يتواثبوا على الإمامة بعد النبي (ص) ولهذا جعل الثلاثة في الجيش ولم يجعل عليا (ع) وأما قوله (ص) ولعن الله من تخلف عن جيش أسامة فقد ذكره رئيس الأشاعرة محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عند ذكر الاختلافات الواقعة حال مرض النبي (ص) حيث قال الخلاف الثاني في مرضه أنه (ص) قال جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة فقال قوم يجب علينا امتثال أمره وأسامة قد برز من المدينة وقال قوم قد اشتد مرض النبي (ص) فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحالة هذه فنصبر حتى تبصر أيش يكون من أمره انتهى فليطالع ثمة حتى يعلم أنه من الأصول المسلمة لا من الملحقات ثم لا يخفى أن حاصل استدلال المصنف بالحديث أن الخلفاء الثلاثة تخلفوا عن جيش أسامة وكل من تخلف عنه يكون ملعونا فيكونوا الثلاثة ملعونين غير لا يقين بخلافة سيد المرسلين ويمكن الاستدلال منه على بطلان خلافة الثلاثة بوجوه أخر الأول أن إنكار كل ما علم بالضرورة أنه مما أمر به النبي (ص) سيما في الأمور الدينية كفر بالاتفاق وصرح به صاحب المواقف وقد تخلف الثلاثة عن أمر النبي (ص) لهم بمتابعة أسامة فيكونون كفارا والكافر يستحق اللعن والملامة دون الخلافة والإمامة والثاني أن النبي (ص) لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فما أمر به من متابعة أسامة يكون وحيا وكل من خالف الوحي يكون كافرا لقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقد تخلفت الثلاثة فلا يكونون مستحقين للإمامة الثالث أنه رد كلام النبي (ص) يكون إيذاء له قطعا وإيذاءه يوجب استحقاق اللعنة من الله تعالى لقوله تعالى الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة فلا يكونوا صالحين للإمامة الرابع أن النبي (ص) قد جعلهم تابعا لأسامة بالإقدام على ما ما أمرهم به فما لم يتم ذلك الأمر كان عليهم أن يكونوا تابعا محكوما لأسامة فحكومتهم على أسامة في ذلك الوقت لم يكن مشروعا وذا لم يكونوا حاكما
صفحہ 218