يأمن الله تعالى على نبيه (ص) مع ما ظهر له من الآيات من تعشيش الطاير ونسج العنكبوت على بابه لم يثق بالسلامة ولا صدق بالآية وأظهر الحزن والمخافة حتى غلبه بكائه وتزايد قلقه وانزعاجه وبلى النبي (ص) في تلك الحال إلى مقاساته ودفع إلى مداراته ونهاه عن الحزن وزجره ونهى النبي (ص) لا يتوجه في الحقيقة إلا إلى الزجر عن القبيح ولا سبيل إلى صرفه إلى المجاز بغير دليل لا سيما وقد ظهر من جزعه وبكائه ما يكون من مثله فساد الحال في الاختفاء فهو إنما نهى عن استدامة ما وقع منه ولو سكن نفسه إلى ما وعد الله نبيه (ص) وصدقه فيما أخبر به من نجاته لم تحزن حيث يجب أن تكون آمنة ولا انزعج قلبه في الموضع الذي يقتضي سكونه فأي فضيلة في الغار يفتخر بها لأبي بكر لولا المكابرة واللداد هذا وقال شيخنا المفيد قدس سره في بعض مجالسه أن الله سبحانه لم ينزل السكينة قط على نبيه (ص) في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان إلا عممهم بنزول السكينة وشملهم بذلك كما في قوله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلن تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ولما لم يكن مع النبي (ص) في الغار إلا أبو بكر أفرد الله سبحانه نبيه (ص) بالسكينة دونه وأيده بجنود لم تروها فلو كان الرجل مؤمنا لجرى مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم ولولا أنه أحدث بحزنه في الغار منكرا لأجله توجه النبي إليه من استذمامه لما حرمه الله تعالى من السكينة ما يفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله (ص) في المواطن على ما جاء في القرآن ونطق به محكم الذكر بالبيان وهذا بين لمن تأمله وههنا زيادة تدقيق وتحقيق ذكرناها في كتابنا الموسوم بمصايب النواصب وأما الثالث والعشرون فلأنه لا دلالة لقوله تعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار على فضيلة الرجل إذ ليس فيه أكثر من أخبار عن عدد وقد يكون ثانيا لغيره من لا يشاركه في إيمان ولا فضل ولأن فيه بيان حال الرسول (ص) باعتبار دخوله الغار ثانيا ودخول أبي بكر أولا كما نقل في السير فجعل ذلك وصفا لأبي بكر والنداء به على رؤوس المنابر موقعا في أوهام العوام أنه ثاني اثنين النبي (ص) في الفضل والشرف أيضا كما غالط به فخر الدين الرازي أيضا في تفسيره وهم على وهم لما عرفت من أنه كان متقدما على النبي (ص) في دخول الغار وإن المراد بثانوية النبي (ص) تأخره عنه في الدخول وأما التفاوت بحسب الفضل والرتبة فلم يستعمل الآية فيه ولا هو لازم منها وإلا لكان أولى بالصحة أن يقال أن النبي (ص) ثاني اثنين أبي بكر في الفضل والشرف وهذا كفر صريح كما لا يخفى وقد عملنا في تفسير هذه الآية وتحقيقها مسألة منفردة فليطالعها من أراد الزيادة على ما ذكرناه ههنا وأما الرابع والعشرون فلأن ما ذكره من الله تعالى أثنى على أبي بكر في كتابه العزيز في مواضع عديدة إلى آخره إن أراد به أنه أثنى عليه في ضمن العمومات التي أثنى فيها على عامة المؤمنين أو طائفة منهم كقوله تعالى ولقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية فهذا بعد تسليم كونه داخلا في المؤمنين يشترك معه فيه كثير من المؤمنين فلا يفيد أفضليته على غيره حتى يستحق بذلك تقدمه على غيره بالخلافة وإن أراد به اختصاصه بالثناء فذلك مبني على ما افتراه ورواه أوليائه في شأن نزول تلك الآيات وتلك الروايات ليست بمتفقة عليها بين أهل الإسلام مع أنهم قد خالفوا ذلك بأنفسهم بذكر روايات أخرى دالة على خلافه فإن أشهر ما زعموا نزولها في شأن أبي بكر قوله تعالى في سورة الليل وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى وقد ذكر بعضهم أنها نزلت في شأن أبي ذر (رض) وبعضهم أنها نزلت في حق أبي الدحداح وقد روى هذا أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الموسوم بأسباب النزول بأسناده المرفوع إلى عكرمة وابن عباس هذا حال اختلافهم في شأن نزول الآية وأما دلالة الآية على مطلوب القوم منها فقد عملنا في دفع استدلالهم بها سيما ما ذكره فخر الدين الرازي في تفسيره رسالة منفردة ضمنا ما من الدقايق جما غفيرا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا وأما الخامس والعشرون فلأن ما ذكره من أنه لولا أن الكتاب غير موضوع لذكر المناقب لفصلنا مناقبه في عشر مجلدات أخرى ظاهر لأن المذكور في جامع البخاري ومسلم على زعمهم من صحاح الأحاديث المروية في أبواب العقايد الدينية والأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي والقصص والأخبار والمواعظ والزواجر والوعد والوعيد والمناقب والمثالب إلى غير ذلك قد جمعها مجلدين ما مع دخول أكثر ما في أحد الجامعين في الآخر فمن أين يأتي للناصب أن يفصل مناقب أبي بكر وحده في عشر مجلدات مع أنه لا يعسر الاستدلال على شئ من المطالب إلا بما في الكتابين كما سبق منه مرارا فالظاهر أنه أراد عشر مجلدات من الموضوعات وحينئذ هو مقصر في اقتصاره على العشر كما لا يخفى وأما السادس والعشرون فلأن قوله ولم يقدر أحد من الشيعة أن يدعي أن رسول الله (ص) غزا غزوة وتخلفه عنه أبو بكر إلى آخره مسلم لكنهم يقولون كما قاله ابن أبي الحديد المعتزلي أنه هرب أو تستر وقد مر وبهذا أظهر أن ما ذكره بعيد ذلك من إنكار فراره في غزوة فرية وتخلفه عنه من غير مرية كيف وقد اعترف بذلك إمام أهل السنة فخر الدين الرازي في كتابه الموسوم بالأربعين وغيره من الكتب الكلامية سيما في فتح خيبر فإنه سلم في كتاب الأربعين ما روي من أنه بعث النبي (ص) أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما ثم بعث عمر فرجع منهزما فبلغ ذلك رسول الله (ص) فبات ليلة مهموما فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار إلى آخر الحديث فليطالع هناك وأما السابع والعشرون فلأن ما ادعاه من إجماع الأمة على أن رسول الله (ص) كان يقدم أبا بكر على أصحابه إلى آخره؟؟؟ أراد به إجماع الناصبة وقد عرفت حال دعوى إجماعهم على أصل خلافة أبي بكر فماذا يكون حال هذا الاجماع مع التزامهم لمفضوليته في مواضع عجزوا فيها عن إثبات أفضليته وتجويزهم لتفضيل المفضول على خلاف المعقول وبهذا يعلم حال ما رواه البخاري عن محمد بن الحنفية (رض) فإن المعلوم من طريقة أهل البيت (ع) خلاف ذلك على ما مر وسيجئ وأما الثامن والعشرون فلأن وصفه ههنا للمصنف ابن المطهر الأعرابي البوال على عقبه يخالف ما وصفه به سابقا بالنبطي قاصدا للطعن على فصاحته فقاتله الله من كذوب لا حافظة ومن حضرى البوال في قعر البيت يتمنى من بوله إحياء الميت وإبقاء ماء وجه أسلافه المطعونين بكتب وكتب وأما التاسع والعشرون فلأن ما رواه عن عبد الله بن عمر في شأن تفضيل أبي بكر وعمر
صفحہ 216