الاعتصام للشاطبى
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
ایڈیٹر
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
ایڈیشن
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
پبلشر کا مقام
السعودية
علاقے
•اسپین
إِلَى رَأْيٍ ثَالِثٍ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يَقْضِي بِهِ حَقًّا; لَكَفَى فِي إِصْلَاحِ مَعَاشِ الْخَلْقِ وَمَعَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِبَعْثَةِ الرُّسُلِ ﵈ فَائِدَةٌ، وَلَكَانَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُعَدُّ الرِّسَالَةُ عَبَثًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَمَا أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ عَلَى الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ سُمُّوا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَفِي إِشَارَةِ الْقُرْآنِ: أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْهَوَى عَلَى عُقُولِهِمْ، وَاشْتِهَارِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بِالْمُشْتَقِّ إِنَّمَا يُطْلَقُ إِطْلَاقَ اللَّقَبِ إِذَا غَلَبَ مَا اشْتُقَّتْ مِنْهُ عَلَى الْمُسَمَّى بِهَا.
فَإِذًا تَأْثِيمُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ظَاهِرٌ; لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى اتِّبَاعِ الرَّأْيِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى الْمَذْكُورِ آنِفًا.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ كُلَّ رَاسِخٍ لَا يَبْتَدِعُ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِابْتِدَاعُ مِمَّنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي ابْتَدَعَ فِيهِ، حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بِحَوْلِ اللَّهِ، فَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاسُ مِنْ قِبَلِ جُهَّالِهِمُ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَاجْتِهَادُ مَنِ اجْتَهَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِذْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْعُمُومِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَامِّيُّ حَرَامًا عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، كَانَ الْمُخَضْرَمُ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَالَاتِ مِثْلَهُ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالنَّظَرِ الْمَعْمُولِ بِهِ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ; كَانَ آثِمًا بِإِطْلَاقٍ.
وَبِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَخِيرَةِ; ظَهَرَ وَجْهُ تَأْثِيمِهِ، وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ فِي اجْتِهَادِهِ، وَسَيَأْتِي لَهُ تَقْرِيرٌ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
1 / 192